للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك وهو الذي وضع لهم السياسا (١) التي يتحاكمون إليها، ويحكمون بها، وأكثرها مخالف لشرائع الله تعالى وكتبه، وهو شئ اقترحه من عند نفسه، وتبعوه في ذلك، وكانت تزعم أمه أنها حملته من شعاع الشمس، فلهذا لا يعرف له أب، والظاهر أنه مجهول النسب (٢)، وقد رأيت مجلدا جمعه الوزير ببغداد علاء الدين الجويني في ترجمته فذكر فيه سيرته، وما كان يشتمل عليه من العقل السياسي والكرم والشجاعة والتدبير الجيد للملك والرعايا، والحروب، فذكر أنه كان في ابتداء أمره خصيصا عند الملك أزبك خان، وكان إذ ذاك شابا حسنا وكان اسمه أولا تمرجي، ثم لما عظم سمى نفسه جنكيزخان، وكان هذا الملك قد قربه وأدناه، فحسده عظماء الملك ووشوا به إليه حتى أخرجوه عليه، ولم يقتله ولم يجد له طريقا في ذنب يتسلط عليه به، فهو في ذلك إذ تغضب الملك على مملوكين صغيرين فهربا منه ولجئا إلى جنكيزخان فأكرمهما وأحسن إليهما فأخبراه بما يضمره الملك أزبك خان من قتله، فأخذ حذره وتحيز بدولة واتبعه طوائف من التتار وصار كثير من أصحاب أزبك خان ينفرون إليه ويفدون عليه فيكرمهم ويعطيهم حتى قويت شوكته وكثرت جنوده، ثم حارب بعد ذلك أزبك خان فظفر به وقتله واستحوز على مملكته وملكه، وانضاف إليه عدده وعدده، وعظم أمره وبعد صيته وخضعت له قبائل الترك ببلاد طمغاج (٣) كلها حتى صار يركب في نحو ثمانمائة ألف مقاتل، وأكثر القبائل قبيلته التي هو منها يقال لهم قيان، ثم أقرب القبائل إليه بعدهم قبيلتان كبيرتا العدد وهما أزان وقنقوران (٤) وكان يصطاد من السنة ثلاثة أشهر والباقي للحرب والحكم. قال الجويني: وكان يضرب الحلقة يكون ما بين طرفيها ثلاثة أشهر ثم تتضايق فيجتمع فيها من أنواع الحيوانات شئ كثير لا يحد كثرة، ثم نشبت الحرب بينه وبين الملك علاء الدين خوارزم شاه صاحب بلاد خراسان والعراق وأذربيجان وغير ذلك والأقاليم والملك، فقهره جنكيزخان وكسره وغلبه وسلبه، واستحوذ على سائر بلاده بنفسه وبأولاده في أيسر مدة كما ذكرنا ذلك في الحوادث، وكان ابتداء ملك جنكزخان سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وكان قتاله لخوارزم شاه في حدود سنة ست عشرة وستمائة، ومات خوارزم شاه في سنة سبع عشرة كما ذكرنا، فاستحوذ حينئذ على الممالك بلا منازع ولا ممانع، وكانت وفاته في سنة أربع وعشرين وستمائة


(١) السياسا: وفي ابن خلدون ٥/ ٥٢٦: السياسة الكبيرة. والسياسا كلمة مركبة من سي بمعنى ثلاثة. ويسا بمعنى الترتيب. ثم حرفها العرب فقالوا: سياسة. قال ابن خلدون في تاريخه: كتب جنكيزخان كتاب السياسة وذكر فيه أحكام السياسة في الملك والحروب والاحكام العامة شبه أحكام الشرائع وأمر أن يوضع في خزانته وأن تختص بقرابته. ولم يكن يؤتى بمثله.
(٢) قال ابن خلدون في تاريخه: كان اسمه تمرجين ثم أصاروه جنكزوخان - وهو بمعنى الملك عندهم - وأما نسبته فهي هكذا جنكز بن بيسوكى بن بهادر بن تومان بن برتيل خان بن تومينه بن باد سنقر بن تيدوان ديوم بن بقا بن مودنجه.
(٣) في ابن خلدون ٥/ ٥٢٦: طوغاج.
(٤) في رواية ابن خلدون عن الجويني: أورات ومنفورات.

<<  <  ج: ص:  >  >>