للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديلم ومن البريدي، فَرَكِبَ إِلَى بَغْدَادَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَمَعَهُ جَيْشٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ صَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَتْرَاكِ الْبَجْكَمِيَّةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَحِينَ وَصَلَ إِلَى الْمَوْصِلِ حَادَ عَنْ طَرِيقِهِ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ بْنُ حَمْدَانَ، فَتَرَاسَلَا ثُمَّ اصْطَلَحَا، وَحَمَلَ ابْنُ حَمْدَانَ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، فَلَمَّا اقْتَرَبَ ابْنُ رَائِقٍ مِنْ بَغْدَادَ خَرَجَ كُورْتَكِينُ فِي جَيْشِهِ لِيُقَاتِلَهُ، فَدَخَلَ ابْنُ رَائِقٍ بَغْدَادَ مِنْ غَرْبِيِّهَا وَرَجَعَ كورتكين بجيشه فدخل من شرقيها، ثم تصافوا ببغداد للقتال وساعدت الْعَامَّةُ ابْنَ رَائِقٍ عَلَى كُورْتَكِينَ فَانْهَزَمَ الدَّيْلَمُ وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَهَرَبَ كُورْتَكِينُ فَاخْتَفَى، واستقر أمر ابن رائق وَخَلَعَ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ وَرَكِبَ هُوَ وَإِيَّاهُ فِي دجلة فظفر ابْنُ رَائِقٍ بِكُورْتَكِينَ فَأَوْدَعَهُ السِّجْنَ الَّذِي فِي دَارِ الْخِلَافَةِ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَانِي عشر جُمَادَى الْأُولَى حَضَرَ النَّاسُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِجَامِعِ براثي، وقد كان المقتدر أحرق هذا الجامع لأنه كبسه فَوُجِدَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِلسَّبِّ وَالشَّتْمِ، فَلَمْ يَزَلْ خَرَابًا حَتَّى عَمَّرَهُ بَجْكَمُ فِي أَيَّامِ الرَّاضِي، ثُمَّ أَمَرَ الْمُتَّقِي بِوَضْعِ مِنْبَرٍ فِيهِ كَانَ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّشِيدِ وصلى فيه الناس الْجُمُعَةَ.

قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ تُقَامُ فِيهِ إِلَى ما بعد سنة خمسين وأربعمائة.

قال: وَفِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فِي لَيْلَةِ سَابِعِهِ كَانَتْ لَيْلَةُ بَرْدٍ وَرَعْدٍ وَبَرْقٍ، فَسَقَطَتِ الْقُبَّةُ الْخَضْرَاءُ مِنْ قَصْرِ الْمَنْصُورِ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْقُبَّةُ تاج بغداد وَمَأْثُرَةً مِنْ مَآثِرِ بَنِي الْعَبَّاسِ عَظِيمَةً، بُنِيَتْ أول ملكهم، وكان بين بنيانها وسقوطها مائة وسبع (١) وثمانون سنة.

قال: وخرج عن الناس التشرينان الكانونان (٢) منها ولم يمطروا فيها بشئ سوى مطرة واحدة لم ينبل منها التراب، فَغَلَتِ الْأَسْعَارُ بِبَغْدَادَ حَتَّى بِيعَ الْكُرُّ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ دِينَارًا (٣) .

وَوَقَعَ الْفَنَاءُ فِي النَّاسِ حَتَّى كَانَ الْجَمَاعَةُ يُدْفَنُونَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ، مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَبِيعَ الْعَقَارُ وَالْأَثَاثُ بأرخص الأسعار، حتى كان يشترى بالدرهم ما يساوي الدينار في غير تلك الأيام وَرَأَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِهَا وَهُوَ يَأْمُرُهَا بِخُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، فَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِامْتِثَالِ ذَلِكَ فَصَلَّى النَّاسُ وَاسْتَسْقَوْا فَجَاءَتِ الْأَمْطَارُ فَزَادَتِ الْفُرَاتَ شَيْئًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، وَغَرِقَتِ الْعَبَّاسِيَّةُ، ودخل الماء الشوارع بِبَغْدَادَ، فَسَقَطَتِ الْقَنْطَرَةُ الْعَتِيقَةُ وَالْجَدِيدَةُ، وَقَطَعَتِ الْأَكْرَادُ الطريق على قافلة من خراسان، فَأَخَذُوا مِنْهُمْ مَا قِيمَتُهُ

ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ، وَكَانَ أَكْثَرُ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ بَجْكَمَ التُّرْكِيِّ.

وخرج الناس للحج ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ بِسَبَبِ رَجُلٍ من العلويين قد خرج بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ وَخَرَجَ عَنِ الطاعة.

وفيها توفي من الأعيان..أحمد بن إبراهيم ابن تزمرد الْفَقِيهُ أَحَدُ أَصْحَابِ ابْنِ سُرَيْجٍ.

خَرَجَ مِنَ الحمام إلى خارجه فسقط عليه الحمام فمات من فوره.


(١) في الاصل سبعة وما أثبتناه الصواب.
(٢) زيد في الكامل ٨ / ٣٧٧: وشباط.
(٣) في مآثر الانافة ١ / ٢٩٧: مائتي دينار وعشرة دنانير، كر الحنطه (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>