بها أبصر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً.
وأمر عمر بن عبد العزيز مناديه ذات يوم فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخطبهم فقال في خطبته: إني لم أجمعكم إلا أن المصدق منكم بما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ لقاء الله والدار الآخرة ولم يعمل لذلك ويستعد له أحمق، والمكذب له كافر.
ثم تلا قوله تعالى (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ) [فصلت: ٥٤] وقوله تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف: ١٠٦] .
وروى ابن أبي الدنيا عنه أنه أرسل أولاده مع مؤدب لهم إلى الطائف يعلمهم هناك، فكتب
إليه عمر: بئس ما علمت، إذ قدمت إمام المسلمين صبياً لم يعرف النية - أو لم تدخله النية - ذكره في كتاب النية له.
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الرقة والبكاء، عن مولى لعمر بن عبد العزيز أنه قال له: يا بني ليس الخير أن يسمع لك وتطاع، وإنما الخير أن تكون قد غفلت عن ربك عزوجل ثم أطعته، يَا بَنِيَّ لَا تأذن اليوم لأحد علي حتى أصبح ويرتفع النهار، فإني أخاف أن لا أعقل عن الناس ولا يفهمون عني، فقال له مولاه: رأيتك البارحة بكيت بكاء ما رأيتك بكيت مثله، قال فبكى ثم قال: يا بني إني والله ذكرت الوقوف بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عزوجل.
قال: ثم غشي عليه فلم يفق حتى علا النهار، قال: فما رأيته بعد ذلك متبسماً حتى مات.
وقرأ ذات يوم (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شهودا) [يونس: ٦١] الآية، فبكى بكاءاً شديداً حتَّى سمعه أهل الدار، فجاءت فاطمة فجلست تبكي لبكائه وبكى أهل الدار لبكائهما، فجاء ابنه عبد الملك فدخل عليهم وهم على تلك الحال، فقال له: يا أبة ما يبكيك؟ فقال: يا بني خير، ود أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه، والله يا بني لقد خشيت أن أهلك وأن أكون من أهل النَّار.
وروى ابن أبي الدنيا عن عبد الأعلى بن أبي عبد الله العنبري.
قال: رأيت عمر بن عبد العزيز خرج يوم الجمعة في ثياب دسمة، وراءه حبشي يمشي فلما انتهى إلى الناس رجع الحبشي، فكان عمر إذا انتهى إلى الرجلين قال: هكذا رحمكما الله، حتى صعد المنبر فخطب فقرأ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التكوير: ١] فقال: وما شأن الشمس (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الجنة أزلفت) [التكوير: ١٢ - ١٣] فبكى وبكى أهل المسجد، وارتج المسجد بالبكاء حتى رأيت حيطان المسجد تبكي معه، ودخل عليه أعرابي فقال: يا أمير المؤمنين جاءت بي إليك الحاجة، وانتهيت إلى الغاية، والله سائلك عني.
فبكى عمر وقال له: كم أنتم؟ فقال: أنا وثلاث بنات.
ففرض له على ثلاثمائة، وفرض لبناته مائة مائة، وأعطاه مائة درهم من ماله، وقال له: اذهب فاستنفقها حتى تخرج أعطيات المسلمين فتأخذ معهم.