حبس مروان الحمار إبراهيم بن محمد بحران، فتحيرت الشيعة العباسية فيمن يولون، ومن يكون ولي الأمر من بعده إن قتل؟ فذهب يقطين هذا إلى مروان فوقف بين يديه في صورة تاجر فقال: يا أمير المؤمنين إني قد بعث إبراهيم بن محمد بضاعة ولم أقبض ثمنها منه حتى أخذته رسلك، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجمع بيني وبينه لأطالبه بمالي فعل قال: نعم! فأرسل به إليه مع غلام، فلما رآه قال: يا عدو الله إلى من أوصيت بعدك آخذ مالي منه؟ فقال له: إلى ابن الحارثية - يعني أخاه عبد الله السفاح - فرجع يقطين إلى الدعاة إلى بني العباس فأعلمهم بما قال، فبايعوا السفاح، فكان من أمره ما ذكرناه.
[ثم دخلت سنة سبع وثمانين ومائة]
فيها كان مهلك البرامكة على يدي الرشيد، قتل جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، ودمر ديارهم واندرست آثارهم، وذهب صغارهم وكبارهم. وقد اختلف في سبب ذلك على أقوال ذكرها ابن جرير وغيره، قيل إن الرشيد كان قد سلم يحيى بن عبد الله بن حسن إلى جعفر البرمكي ليسجنه عنده، فما زال يحيى يترفق له حتى أطلقه، فنم الفضل بن الربيع ذلك إلى الرشيد فقال له الرشيد: ويلك لا تدخل بيني وبين جعفر، فلعله أطلقه عن أمري وأنا لا أشعر. ثم سأل الرشيد جعفرا عن ذلك فصدقه فتغيظ عليه وحلف ليقتلنه، وكره البرامكة، ثم قتلهم وقلاهم بعد ما كانوا أحظى الناس عنده، وأحبهم إليه، وكانت أم جعفر والفضل أم الرشيد من الرضاعة، وقد جعلهم الرشيد من الرفعة في الدنيا وكثرة المال بسبب ذلك شيئا كثيرا لم يحصل لمن قبلهم من الوزراء ولا لمن بعدهم من الأكابر والرؤساء، بحيث إن جعفرا بنى دارا غرم عليها عشرين ألف ألف درهم، وكان ذلك من جملة ما نقمه عليه الرشيد. ويقال: إنما قتلهم الرشيد لأنه كان لا يمر ببلد ولا إقليم ولا قرية ولا مزرعة ولا بستان إلا قيل هذا لجعفر، ويقال إن البرامكة كانوا يريدون إبطال خلافة الرشيد وإظهار الزندقة. وقيل إنما قتلهم بسبب العباسة. ومن العلماء من أنكر ذلك وإن كان ابن جرير قد ذكره.
وذكر ابن الجوزي أن الرشيد سئل عن سبب قتله البرامكة فقال: لو أعلم أن قميصي يعلم ذلك لأحرقته. وقد كان جعفر يدخل على الرشيد بغير إذن حتى كان يدخل عليه وهو في الفراش مع حظاياه - وهذه وجاهة ومنزلة عالية - وكان عنده من أحظى العشراء على الشراب المسكر - فإن الرشيد كان يستعمل في أواخر أيام خلافته المسكر - وكان أحب أهله إليه أخته العباسة بنت المهدي، وكان يحضرها معه، وجعفر البرمكي حاضر أيضا معه، فزوجه بها ليحل النظر إليها، واشترط عليه أن لا يطأها. وكان الرشيد ربما قام وتركهما وهما ثملان من الشراب فربما واقعها جعفر فحبلت منه فولدت ولدا وبعثته مع بعض جواريها إلى مكة، وكان يربى بها.
وذكر ابن خلكان أن الرشيد لما زوج أخته العباسة من جعفر أحبها حبا شديدا، فراودته عن