للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَسَرَ مُقَدَّمَهُمْ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ نَهِيكٍ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْمَأْمُونِ.

وَهَرَبَ جماعة من جند طاهر فساروا إلى الأمين فَأَعْطَاهُمْ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَأَكْرَمَهُمْ وَغَلَّفَ لِحَاهُمْ بِالْغَالِيَةِ فَسُمُّوا جَيْشَ الْغَالِيَةِ.

ثُمَّ نَدَبَهُمُ الْأَمِينُ وَأَرْسَلَ معهم جيشاً كثيفاً لقتال طاهر فهزمهم طاهر وَفَرَّقَ شَمْلَهُمْ، وَأَخَذَ مَا كَانَ مَعَهُمْ.

وَاقْتَرَبَ طاهر مِنْ بَغْدَادَ فَحَاصَرَهَا وَبَعَثَ الْقُصَّادَ وَالْجَوَاسِيسَ يُلْقُونَ الْفِتْنَةَ بَيْنَ الْجُنْدِ حَتَّى تَفَرَّقُوا شِيَعًا، ثُمَّ وقع بين الجيش وتشعبت الْأَصَاغِرُ عَلَى الْأَكَابِرِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى الْأَمِينِ فِي سَادِسِ ذِي الْحِجَّةِ فَقَالَ بَعْضُ الْبَغَادِدَةِ: قُلْ لِأَمِينِ اللَّهِ فِي نَفْسِهِ * مَا شَتَّتَ الْجُنْدَ سوى الغاليه وطاهر نفسي فدا طاهر (١) * بِرُسْلِهِ وَالْعُدَّةِ الْكَافِيهْ أَضْحَى زِمَامُ الْمُلْكِ فِي كَفِّهِ * مُقَاتِلًا لِلْفِئَةِ الْبَاغِيهْ يَا نَاكِثًا أَسْلَمَهُ نكثه * عيوبه في (٢) خبثه فاشيه قد جاءك اليث بشدَّاته * مُسْتَكْلِبًا فِي أُسُدٍ ضَارِيَهْ فَاهْرَبْ وَلَا مَهْرَبَ مِنْ مِثْلِهِ * إِلَّا إِلَى النَّارِ أَوِ الْهَاوِيَهْ فَتَفَرَّقَ عَلَى الْأَمِينِ شَمْلُهُ، وَحَارَ فِي أَمْرِهِ، وَجَاءَ طَاهِرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بِجُيُوشِهِ فَنَزَلَ عَلَى بَابِ الْأَنْبَارِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَاشْتَدَّ الْحَالُ على أهل البلد وأخاف الدعارُ والشطارُ أَهْلَ الصَّلَاحِ، وَخُرِّبَتِ الدِّيَارُ، وَثَارَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ النَّاسِ، حَتَّى قَاتَلَ الْأَخُ أَخَاهُ للأهواء المختلفة، والابن أباه، وجرت شرور عظيمة، واختلفت الأهواء وكثر الفساد والقتل داخل البلد.

وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُوسَى بْنِ عيسى الْهَاشِمِيُّ مِنْ قِبَلِ طَاهِرٍ، وَدَعَا لِلْمَأْمُونِ بِالْخِلَافَةِ بمكة والمدينة، وهو أول موسم دعي فيه للمأمون.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحِمْصِيُّ إِمَامُ أَهْلِ حِمْصَ وَفَقِيهُهَا وَمُحَدِّثُهَا.

وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ الْقَاضِي عَاشَ فَوْقَ التِّسْعِينَ، وَلَمَّا احْتُضِرَ بَكَى بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ: لَا تَبْكِ! وَاللَّهِ مَا حَلَلْتُ سَرَاوِيلِي عَلَى حَرَامٍ قَطُّ، وَلَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيَّ خَصْمَانِ فَبَالَيْتُ عَلَى مَنْ وقع الحكم عليه منهما، قريباً كان أو بعيداً، ملكاً أو سوقة.

وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْزُوقٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، كَانَ وَزِيرًا لِلرَّشِيدِ فَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ وتزهَّد وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُطْرَحَ قَبْلَ مَوْتِهِ على مزبلة لعلَّ الله أن يرحمه.


(١) في الطبري ١٠ / ١٧٢: نفسي تقي طاهرا.
(٢) في الطبري: من.
وفي مروج الذهب ٣ / ٤٨٨: من حينه.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>