للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظاهر إسكندرية قبل رأس السنة بأربعة أيام (١)، فنصبوا المنجنيقات والدبابات حول البلد، وبرز إليهم أهلها فقاتلوهم دونها قتالا شديدا أياما، وقتل من كلا الفريقين خلق كثير، ثم اتفق أهل البلد على حريق المنجانيق والدبابات ففعلوا ذلك، فأضعف ذلك قلوب الفرنج، ثم كبسهم المسلمون فقتلوا منهم جماعة وغنموا منهم ما أرادوا، فانهزم الفرنج في كل وجه، ولم يكن لهم ملجأ إلا البحر أو القتل أو الأسر، واستحوذ المسلمون على أموالهم وعلى خيولهم وخيامهم، وبالجملة قتلوا خلقا من الرجال وركب من بقي منهم في أسطول إلى بلادهم خائبين.

ومما عوق الملك الناصر عن الشام أيضا أن رجلا يعرف بالكنز سماه بعضهم عباس بن شادي وكان من مقدمي الديار المصرية والدولة الفاطمية، كان قد استند إلى بلد يقال له أسوان. وجعل يجمع عليه الناس، فاجتمع عليه خلق كثير من الرعاع من الحاضرة والغربان والرعيان، وكان يزعم إليهم أنه سيعيد الدولة الفاطمية، ويدحض الأتابكة التركية، فالتف عليه خلق كثير، ثم قصدوا قوص وأعمالها، وقتل طائفة من أمرائها ورجالها، فجرد إليه صلاح الدين طائفة من الجيش وأمر عليهم أخاه الملك العادل أبا بكر الكردي، فلما التقيا هزمه أبو بكر وأسر أهله وقتله.

[فصل]

فلما تمهدت البلاد ولم يبق بها رأس من الدولة العبيدية، برز السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف في الجيوش التركية قاصدا البلاد الشامية، وذلك حين مات سلطانها نور الدين محمود بن زنكي وأخيف سكانها وتضعضعت أركانها، واختلف حكامها، وفسد نقضها وإبرامها، وقصده جمع شملها والاحسان إلى أهلها، وأمن سهلها وجبلها، ونصرة الاسلام ودفع الطغام وإظهار القرآن وإخفاء سائر الأديان، وتكسير الصلبان في رضى الرحمن، وإرغام الشيطان. فنزل البركة في مستهل صفر وأقام بها حتى اجتمع عليه العسكر واستناب على مصر أخاه أبا بكر، ثم سار إلى بلبيس في الثالث عشر من ربيع الأول، فدخل مدينة دمشق في يوم الاثنين سلخ ربيع الأول، ولم ينتطح فيها عنزان، ولا اختلف عليه سيفان، وذلك أن نائبها شمس الدين بن مقدم كان قد كتب إليه أولا فأغلظ له في الكتاب، فلما رأى أمره متوجها جعل يكاتبه ويستحثه على القدوم إلى دمشق، ويعده بتسليم البلد، فلما رأى الجد لم يمكنه المخالفة، فسلم البلد إليه بلا مدافعة، فنزل السلطان


(١) قال في مفرج الكروب: إن أسطول صقلية قد تقدم تنفيذا للمخطط المؤامرة التي اشترك فيها عمارة - وقد صلب - وكان من المقرر أن يشترك مع الأسطول جيش بري من القدس بقيادة أموري، وبانكشاف المؤامرة في مصر توقف جيش أموري واستمرت الحملة البحرية في التقدم لعدم تكامل الاخبار عند قائدها وليم الثاني. (٢/ ١٢).
وقال ابن شداد: إن نزول هذا العدو كان في شهر صفر وكانوا ثلاثين ألفا في ستمائة قطعة ما بين شيني وطرادة
وبطشة وغير ذلك (النوادر ص ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>