للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجال وقد انتهى إليه الحلم والسؤدد، وقال: أحيى معروفك بإماتة ذكره، وقال عجبت لمن يجري مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟ وقال: ما أتيت باب أحد من هؤلاء إلا أن أدعى، ولا دخلت بين اثنين إلا أن يدخلاني بينهما (١)، وقيل له: بم سدت قومك؟ قال: بتركي من الامر مالا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك. وأغلظ له رجل في الكلام وقال: والله يا أحنف لئن قلت لي واحدة لتسمعن بدلها عشرا، فقال له: إنك إن قلت لي عشرا لا تسمع مني واحدة، وكان يقول في دعائه: اللهم إن تعذبني فأنا أهل لذلك، وإن تغفر لي فأنت أهل لذلك. وقد كان زياد بن أبيه يقر به ويدنيه، فلما مات زياد وولي ابنه عبيد الله لم يرفع به رأسا، فتأخرت عنده منزلته، فلما وفد برؤوساء أهل العراق على معاوية أدخلهم عليه على مراتبهم عنده، فكان الأحنف آخر من أدخله عليه، فلما رآه معاوية أجله وعظمه، وأدناه وأكرمه، وأجلسه معه على الفراش، ثم أقبل عليه يحادثه دونهم، ثم شرع الحاضرون في الثناء على ابن زياد والأحنف ساكت، فقال له معاوية: مالك لا تتكلم؟ قال: إن تكلمت خالفتهم، فقال معاوية: أشهدكم أني قد عزلته عن العراق، ثم قال لهم. انظروا لكم نائبا، وأجلهم ثلاثة أيام، فاختلفوا بينهم اختلافا كثيرا، ولم يذكر أحد منهم بعد ذلك عبيد الله، ولا طلبه أحد منهم، ولم يتكلم الأحنف في ذلك كلمة واحدة مع أحد منهم، فلما اجتمعوا بعد ثلاث أفاضوا في ذلك الكلام، وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات والأحنف ساكت، فقال له معاوية: تكلم، فقال له: إن كنت تريد أن تولي فيها أحدا من أهل بيتك فليس فيهم من هو مثل عبيد الله، فإنه رجل حازم لا يسد أحد منهم مسده، وإن كنت تريد غيره فأنت أعلم بقرابتك، فرده معاوية إلى الولاية، ثم قال له بينه وبينه: كيف جهلت مثل الأحنف؟ إنه هو الذي عزلك وولاك وهو ساكت، فعظمت منزلة الأحنف بعد ذلك عند ابن زياد جدا.

توفي الأحنف بالكوفة وصلى عليه مصعب بن الزبير، ومشى في جنازته، وقد تقدمت له حكاية، ذكر الواقدي أنه قدم على معاوية فوجده غضبان على ابنه يزيد، وأنه أصلح بينهما بكلام، قال فبعث معاوية إلى يزيد بمال جزيل وقماش كثير، فأعطى يزيد نصفه للأحنف والله سبحانه أعلم.

[البراء بن عازب]

ابن الحارث بن عدي بن مجدعة (٢) بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أوس الأنصاري الحارثي الأوسي. صحابي جليل، وأبوه أيضا صحابي، روى عن رسول الله


(١) انظر كلامه مفصلا في الكامل للمبرد ج ١/ ٧٥ وص ١٠٤.
(٢) كذا بالأصل والاستيعاب والإصابة، ولم يذكر ابن الكلبي في نسبه مجدعة وهو أصوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>