للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثنا محمد بن عبد الله الثقفي قال: شهدت خطبة ابن الزبير بالموسم خرج علينا قبل التروية بيوم وهو محرم فلبى بأحسن تلبية سمعتها قط، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنكم جئتم من آفاق شتى وفودا إلى الله ﷿، فحق على الله أن يكرم وفده، فمن كان منكم يطلب ما عند الله فإن طالب ما عند الله لا يخيب فصدقوا قولكم بفعل، فإن ملاك القول الفعل والنية النية، والقلوب القلوب، الله الله في أيامكم هذه فإنها أيام تغفر فيها الذنوب، جئتم من آفاق شتى في غير تجارة ولا طلب مال ولا دنيا ترجونها ها هنا، ثم لبى ولبى الناس، فما رأيت باكيا أكثر من يومئذ. وروى الحسن بن سفيان قال: ثنا حيان بن موسى ثنا عبد الله بن المبارك، ثنا مالك بن أنس، عن وهب بن كيسان قال: كتب إلي عبد الله بن الزبير بموعظة: أما بعد فإن لأهل التقوى علامات يعرفون بها ويعرفونها من أنفسهم، صدق الحديث، وأداء الأمانة، وكظم الغيظ، وصبر على البلاء ورضي بالقضاء، وشكر للنعماء، وذل لحكم القرآن، وإنما الأيام كالسوق ما نفق فيها حمل إليها، إن نفق الحق عنده حمل إليه وجاءه أهله. وإن نفق الباطل عنده حمل إليه وجاءه أهله.

وقال أبو معاوية: ثنا هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان قال: ما رأيت ابن الزبير يعطي سلمة قط لرغبة ولا لرهبة سلطان ولا غيره. وبهذه الاسنادات أهل الشام كانوا يعيرون ابن الزبير ويقولون له: يا بن ذات النطاقين. فقال له أسماء: يا بني إنهم يعيرونك بالنطاقين وإنما كان لي نطاق واحد شققته نصفين فجعلت في سفرة رسول الله أحدهما وأوكيت قربته بالآخر لما خرج هو وأبو بكر يريدان الهجرة إلى المدينة. فكان ابن الزبير بعد ذلك إذا عيروه بالنطاقين يقول: إنها والله تلك شكاة ظاهر عنك عارها (١)، والله أعلم.

وممن قتل مع ابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين بمكة من الأعيان:

[عبد الله بن صفوان]

ابن أمية بن خلف الجمحي أبو صفوان المكي، وكان أكبر ولد أبيه، أدرك حياة النبي وروى عن عمر وجماعة من الصحابة، وحدث عنه خلق من التابعين، وكان سيدا شريفا مطاعا حليما يحتمل الأذى، لو سبه عبد أسود ما استنكف عنه، ولم يقصده أحد في شئ فرده خائبا، ولا سمع بمفازة إلا حفر بها جبا أو عمل فيها بركة، ولا عقبة إلا سهلها. وقيل إن المهلب بن أبي صفرة قدم على ابن الزبير من العراق فأطال الخلوة معه، فجاء ابن صفوان فقال: من هذا الذي شغلك منذ اليوم؟ قال: هذا سيد العرب من أهل العراق، فقال: ينبغي أن يكون المهلب. فقال المهلب لابن الزبير: ومن هذا الذي يسأل عني يا أمير المؤمنين؟ قال هذا سيد قريش بمكة،


(١) في مروج الذهب ٣/ ١٣٦: وكان ابن الزبير يقول متمثلا، (عندما ينادونه: يا بن ذات النطاقين):
وعيرها الواشون إني أحبها … وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

<<  <  ج: ص:  >  >>