للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرهم، فنازل طرابلس يوم الجمعة مستهل ربيع الأول، وحاصرها بالمجانيق حصارا شديدا، وضيقوا على أهلها تضييقا عظيما، ونصب عليها تسعة عشر منجنيقا، فلما كان يوم الثلاثاء رابع جمادى (١) الآخرة فتحت طرابلس في الساعة الرابعة من النهار عنوة، وشمل القتل والأسر جميع من فيها، وغرق كثير من أهل الميناء وسبيت النساء والأطفال، وأخذت الذخائر والحواصل، وقد كان لها في أيدي الفرنج من سنة ثلاث وخمسمائة إلى هذا التاريخ، وقد كانت قبل ذلك في أيدي المسلمين من زمان معاوية، فقد فتحها سفيان بن نجيب لمعاوية، فأسكنها معاوية اليهود، ثم كان عبد الملك بن مروان جدد عمارتها وحصنها وأسكنها المسلمين، وصارت آمنة عامرة مطمئنة، وبها ثمار الشام ومصر، فإن بها الجوز والموز والثلج والقصب، والمياه جارية فيها تصعد إلى أماكن عالية، وقد كانت قبل ذلك ثلاث مدن متقاربة، ثم صارت بلدا واحدا، ثم حولت من موضعها كما سيأتي الآن. ولما وصلت البشارة إلى دمشق دقت البشائر وزينت البلاد وفرح الناس فرحا شديدا ولله الحمد والمنة.

ثم أمر السلطان الملك المنصور قلاوون أن تهدم البلد بما فيها من العمائر والدور والأسوار الحصينة التي كانت عليها، وأن يبنى على ميل منها بلدة غيرها أمكن منها وأحسن، ففعل ذلك، فهي هذه البلدة التي يقال لها طرابلس، ثم عاد إلى دمشق مؤيدا منصورا مسرورا محبورا، فدخلها يوم النصف من جمادى الآخرة، ولكنه فوض الأمور والكلام في الأموال فيها إلى علم الدين الشجاعي، فصادر جماعة وجمع أموالا كثيرة، وحصل بسبب ذلك اذى الخلق، وبئس هذا الصنيع فإن ذلك تعجيل لدمار الظالم وهلاكه، فلم يغن عن المنصور ما جمع له الشجاعي من الأموال شيئا، فإنه لم يعش بعد ذلك إلا اليسير حتى أخذه الله أخذ القرى وهي ظالمة، كما سيأتي. ثم سافر السلطان في ثاني شعبان بجيشه إلى الديار المصرية، فدخلها في أواخر شعبان. وفيها فتحت قلاع كثيرة بناحية حلب: كركر، وتلك النواحي، وكسرت طائفة من التتر هناك، وقتل ملكهم خربندا نائب التتر على ملطية.

وفيها تولى الحسبة بدمشق جمال الدين يوسف بن التقي توبة التكريتي ثم أخذها بعد شهور تاج الدين الشيرازي. وفيها وضع منبر عند محراب الصحابة بسبب عمارة كانت في المقصورة، فصلى برهان الدين الإسكندري نائب الخطيب بالناس هناك مدة شهر، الجماعات والجمعات، ابتدأوا ذلك من يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي الحجة.

وممن توفي فيها من الأعيان:

[الشيخة فاطمة بنت الشيخ إبراهيم]

زوجة النجم بن إسرائيل، كانت من بيت الفقر، لها سلطنة وإقدام وترجمة وكلام في طريقة


(١) في السلوك ١/ ٧٤٧: رابع ربيع الآخرة، وفي مختصر أبي الفداء ٤/ ٢٣: أول ربيع الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>