الكثير، وجمع الكتب النفيسة، وكان صحيح الْخَطِّ، صَحِيحَ النَّقْلِ، حَافِظًا ضَابِطًا، رَحِمَهُ اللَّهُ وإيانا.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا زُلْزِلَتْ أَرَّجَانُ فَهَلَكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الرُّومِ وَمَوَاشِيهِمْ.
وَفِيهَا كَثُرَتِ الْأَمْرَاضُ بِالْحُمَّى وَالطَّاعُونِ بِالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ، وَأَعْقَبَ ذَلِكَ موت الفجأة، ثم ماتت الوحوش في البراري ثم تلاها مَوْتُ الْبَهَائِمِ، حَتَّى عَزَّتِ الْأَلْبَانُ وَاللُّحْمَانُ، وَمَعَ هذا كله وقعت فتنة عظيمة بين الرافضة والسنة فقتل خلق كثير فيها.
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ هَاجَتْ رِيحٌ سَوْدَاءُ وَسَفَتْ رملاً وتساقطت
أشجار كثيرة من النخل وَغَيْرِهَا، وَوَقَعَتْ صَوَاعِقُ فِي الْبِلَادِ حَتَّى ظَنَّ بعض النَّاس أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، ثُمَّ انْجَلَى ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَفِيهَا وُلِدَ لِلْخَلِيفَةِ وَلَدُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ، وَزُيِّنَتْ بَغْدَادُ وَضُرِبَتِ الطُّبُولُ وَالْبُوقَاتُ، وَكَثُرَتِ الصَّدَقَاتُ.
وَفِيهَا اسْتَوْلَى فَخْرُ الدولة بن جهير على بلاد كثيرة، منها آمد وميا فارقين، وجزيرة ابن عمر، وانقضت بنو مَرْوَانَ عَلَى يَدِهِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
وَفِي ثاني عشر رمضان منها ولي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُظَفَّرٍ الشَّامِيُّ قَضَاءَ الْقُضَاةِ بِبَغْدَادَ، بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّامَغَانِيِّ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ فِي الدِّيوَانِ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ جنفل، وَزَارَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاهِبًا وآيباً.
قال: أظن أنها آخر حجتي.
وكان كَذَلِكَ.
وَفِيهَا خَرَجَ تَوْقِيعُ الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ بِتَجْدِيدِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهي عَنِ الْمُنْكَرِ في كل محلة، وإلزام أهل الذمة بلبس الغيار، وكسر آلات الْمَلَاهِي، وَإِرَاقَةِ الْخُمُورِ، وَإِخْرَاجِ أَهْلِ الْفَسَادِ مَنْ البلاد، أثابه الله ورحمه.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ ... أَحْمَدُ بْنُ محمد بن الحسن ابن مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، أَبُو بَكْرٍ الْفُورَكِيُّ، سِبْطُ الْأُسْتَاذِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكَ، اسْتَوْطَنَ بَغْدَادَ وَكَانَ مُتَكَلِّمًا يَعِظُ النَّاسَ في النظامية، فوقعت بسببه فتنة بين أهل الْمَذَاهِبِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَكَانَ مُؤْثِرًا لِلدُّنْيَا لا يتحاشى من لبس الحرير، وكان يأخذ مكس الفحم ويوقع العداوة بين الحنابلة والأشاعرة، مات وقد ناف على الستين سَنَةً، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ قَبْرِ الْأَشْعَرِيِّ بِمَشْرَعَةِ الزوايا.
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْدُوسِيُّ، كَانَ رَئِيسَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَكْمَلَهُمْ مُرُوءَةً، كَانَ خدم في أيام بني بويه