للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفت نعمتان خصتاك وعمتا … فذكرهما حتى القيامة يذكر

وجودك والدنيا إليك فقيرة … وجودك والمعروف في الناس ينكر

فلو رام يا يحيى مكانك جعفر … ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر

ولم أر من ينوي لك السوء يا أبا … المظفر إلا كنت أنت المظفر

وقد كان يبالغ في إقامة الدولة العباسية، وحسم مادة الملوك السلجوقية عنهم بكل ممكن، حتى استقرت الخلافة في العراق كله، ليس للملوك معهم حكم بالكلية ولله الحمد. وكان يعقد في داره للعلماء مجلسا للمناظرة يبحثون فيه ويناظرون عنده، يستفيد منهم ويستفيدون منه، فاتفق يوما أنه كلم رجلا من الفقهاء كلمة فيها بشاعة قال له: يا حمار، ثم ندم فقال: أريد أن تقول لي كما قلت لك، فامتنع ذلك الرجل، فصالحه على مائتي دينار. مات فجأة، ويقال إنه سمه طبيب فسم ذلك الطبيب بعد ستة أشهر، وكان الطبيب يقول سممته فسممت (١). مات يوم الأحد الثاني عشر من جمادي الأولى من هذه السنة، عن إحدى وستين سنة (٢)، وغسله ابن الجوزي، وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير جدا، وغلقت الأسواق، وتباكى الناس عليه، ودفن بالمدرسة التي أنشأها بباب البصرة . وقد رثاه الشعراء بمراث كثيرة.

[ثم دخلت سنة إحدى وستين وخمسمائة]

فيها فتح نور الدين محمود حصن المنيطرة [من الشام] (٣) وقتل عنده خلق كثير من الفرنج، وغنم أموالا جزيلة. وفيها هرب عز الدين بن الوزير ابن هبيرة من السجن، ومعه مملوك تركي، فنودي عليه في البلد من رده فله مائة دينار، ومن وجد عنده هدمت داره وصلب على بابها، وذبحت أولاده بين يديه، فدلهم رجل من الاعراب عليه فأخذ من بستان فضرب ضربا شديدا وأعيد إلى السجن وضيق عليه. وفيها أظهر الروافض سب الصحابة وتظاهروا بأشياء منكرة، ولم يكونوا يتمكنون منها في هذه الاعصار المتقدمة، خوفا من ابن هبيرة، ووقع بين العوام كلام فيما يتعلق بخلق القرآن. وحج بالناس برغش.

وممن توفي فيها من الأعيان ..


(١) قال الفخري ص ٣١٥: وفي آخر أيامه عرض له تزايد البلغم فمات وهو ساجد. ولم يعلق ابن الأثير في تاريخه على موته فاعتبر وفاته طبيعيا.
(٢) قال ابن خلكان ٦/ ٢٤٢: ولد سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وفي ابن الأثير ١١/ ٣٢١: ومولده سنة تسعين
وأربعمائة. فعلى هذا يكون قد تجاوز ٦٣ سنة حسب رواية ابن خلكان.
(٣) من الكامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>