للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُعَمِّرُوا وَيَدَعُوا لِلطَّرِيقِ الْمُنْهَجِ وُسْعَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا.

ولما دون ذلك ثلاثين وعشرين ذِرَاعًا، وَلِلْأَزِقَّةِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ، وَبُنِيَ لِسَعْدٍ قَصْرٌ قَرِيبٌ مِنَ السُّوقِ، فَكَانَتْ غَوْغَاءُ النَّاسِ تَمْنَعُ سَعْدًا مِنَ الْحَدِيثِ، فَكَانَ يُغْلِقُ بَابَهُ وَيَقُولُ: سكِّنْ الصُّوَيْتَ فَلَمَّا بَلَغَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مُسَلَّمَةَ، فَأَمَرَهُ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْكُوفَةِ أَنْ يَقْدَحَ زِنَادَهُ وَيَجْمَعَ حَطَبًا وَيَحْرِقَ بَابَ الْقَصْرِ ثُمَّ يَرْجِعَ مِنْ فَوْرِهِ.

فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْكُوفَةِ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ عُمَرُ، وَأَمَرَ سَعْدًا أَنْ لَا يُغْلِقَ بَابَهُ عَنِ النَّاسِ، وَلَا يَجْعَلَ عَلَى بَابِهِ أَحَدًا يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْهُ، فَامْتَثَلَ ذَلِكَ سَعْدٌ وَعَرَضَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مُسَلَّمَةَ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَاسْتَمَرَّ سَعْدٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الكوفة ثلاث سنين ونصف، حَتَّى عَزَلَهُ عَنْهَا عُمَرُ، مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ ولا خيانة.

أبو عبيدة وحصر الروم له بحمص وقدم عمر إلى الشام وَذَلِكَ أَنَّ جَمْعًا مِنَ الرُّومِ عَزَمُوا عَلَى حِصَارِ أَبِي عُبَيْدَةَ بِحِمْصَ، وَاسْتَجَاشُوا بِأَهْلِ الْجَزِيرَةِ.

وَخَلْقٍ مِمَّنْ هُنَالِكَ، وَقَصَدُوا أَبَا عُبَيْدَةَ، فَبَعَثَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى خَالِدٍ فَقَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ قِنَّسْرِينَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، وَاسْتَشَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنْ يُنَاجِزَ الرُّومَ أَوْ يتحصن بالبلد حتى يجئ أَمْرُ عُمَرَ؟ فَكُلُّهُمْ أَشَارَ بِالتَّحَصُّنِ، إِلَّا خَالِدًا فَإِنَّهُ أَشَارَ بِمُنَاجَزَتِهِمْ، فَعَصَاهُ وَأَطَاعَهُمْ.

وَتَحَصَّنَ بِحِمْصَ وَأَحَاطَ بِهِ الرُّومُ، وَكُلُّ بَلَدٍ مِنْ بُلْدَانِ الشَّامِ مَشْغُولٌ أَهْلُهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِمْ، وَلَوْ تَرَكُوا مَا هُمْ فِيهِ وَأَقْبَلُوا إِلَى حِمْصَ لَانَخْرَمَ النِّظَامُ فِي الشَّامِ كُلِّهِ.

وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى سَعْدٍ أَنْ يَنْدُبَ النَّاسَ مَعَ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو، وَيُسَيِّرَهُمْ إِلَى حِمْصَ مِنْ يَوْمِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، نَجْدَةً لِأَبِي عُبَيْدَةَ فَإِنَّهُ مَحْصُورٌ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا إِلَى أَهْلِ الجزيرة الذين مالأوا الرُّومَ عَلَى حِصَارِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَيَكُونَ أَمِيرَ الْجَيْشِ إِلَى الْجَزِيرَةِ (١) عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ.

فَخَرَجَ الْجَيْشَانِ مَعًا مِنَ الْكُوفَةِ، الْقَعْقَاعُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ نَحْوَ حِمْصَ لِنَجْدَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَخَرَجَ عُمَرُ بِنَفْسِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ لِيَنْصُرَ أَبَا عُبَيْدَةَ، فبلغ الجابية وقيل إنما بلغ سرع.

قَالَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ الْجَزِيرَةِ الَّذِينَ مَعَ الرُّومِ عَلَى حِمْصَ أَنَّ الْجَيْشَ قَدْ طَرَقَ بِلَادَهُمْ، انْشَمَرُوا إِلَى بِلَادِهِمْ، وَفَارَقُوا الرُّومَ، وَسَمِعَتِ

الرُّومُ بقدوم أمير المؤمنين عمر لينصر نَائِبِهِ عَلَيْهِمْ فَضَعُفَ جَانِبُهُمْ جِدًّا.

وَأَشَارَ خَالِدٌ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بِأَنْ يَبْرُزَ إِلَيْهِمْ لِيُقَاتِلَهُمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ، وَهُزِمَتِ الرُّومُ هَزِيمَةً فَظِيعَةً.

وَذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ عُمَرَ عَلَيْهِمْ، وَقَبْلَ وُصُولِ الْأَمْدَادِ إِلَيْهِمْ بِثَلَاثِ لَيَالٍ.

فَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ يُخْبِرُهُ بِالْفَتْحِ وَأَنَّ الْمَدَدَ وَصَلَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَسَأَلَهُ هَلْ يُدْخِلُهُمْ فِي الْقَسْمِ مَعَهُمْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؟ فَجَاءَ الْجَوَابُ بِأَنْ يُدْخِلَهُمْ مَعَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ إِنَّمَا ضَعُفَ وَإِنَّمَا انْشَمَرَ عَنْهُ الْمَدَدُ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ، فَأَشْرَكَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ في الغنيمة.

وقال عمر: جزى


(١) سهيل بن عدي إلى الرقة، وعبد الله بن عتبان إلى نصيبين، والوليد بن عقبة إلى عرب الجزيرة من تنوخ وربيعة، وأمير الفرق جميعا عياض.
(الطبري - الكامل) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>