للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد بن الرشيد (١)

كان زاهدا عابدا قد تنسك، وكان لا يأكل إلا من عمل يده في الطين، كان يعمل فاعلا فيه، وليس يملك إلا مروا وزنبيلا - أي مجرفة وقفة - وكان يعمل في كل جمعة بدرهم ودانق يتقوت بهما من الجمعة إلى الجمعة، وكان لا يعمل إلا في يوم السبت فقط. ثم يقبل على العبادة بقية أيام الجمعة. وكان من زبيدة في قول بعضهم، والصحيح أنه من امرأة كان الرشيد قد أحبها فتزوجها فحملت منه بهذا الغلام، ثم إن الرشيد أرسلها إلى البصرة وأعطاها خاتما من يا قوت أحمر، وأشياء نفيسة، وأمرها إذا أفضت إليه الخلافة أن تأتيه. فلما صارت الخلافة إليه لم تأته ولا ولدها، بل اختفيا، وبلغه أنهما ماتا، ولم يكن الامر كذلك، وفحص عنهما فلم يطلع لهما على خبر، فكان هذا الشاب يعمل بيده ويأكل من كدها، ثم رجع إلى بغداد، وكان يعمل في الطين ويأكل مدة زمانية. هذا وهو ابن أمير المؤمنين، ولا يذكر للناس من هو إلى أن اتفق مرضه في دار كان يستعمله في الطين فمرضه عنده، فلما احتضر أخرج الخاتم وقال لصاحب المنزل: اذهب بهذا إلى الرشيد وقل له: صاحب هذا الخاتم يقول لك: إياك أن تموت في سكرتك هذه فتندم حيث لا ينفع نادما ندمه، واحذر انصرافك من بين يدي الله إلى الدارين، وأن يكون آخر العهد بك، فإن ما أنت فيه لو دام لغيرك لم يصل إليك، وسيصير إلى غيرك وقد بلغك أخبار من مضى.

قال: فلما مات دفنته وطلبت الحضور عند الخليفة، فلما أوقفت بين يديه قال: ما حاجتك؟ قلت: هذا الخاتم دفعه إلي رجل وأمرني أن أدفعه إليك، وأوصاني بكلام أقوله لك، فلما نظر الخاتم عرفه فقال: ويحك وأين صاحب هذا الخاتم؟ قال فقلت: مات يا أمير المؤمنين. ثم ذكرت الكلام الذي أوصاني به، وذكرت له أنه كان يعمل بالفاعل في كل جمعة يوم بدرهم وأربع دوانيق، أو بدرهم ودانق، يتقوت به سائر الجمعة، ثم يقبل على العبادة. قال: فلما سمع هذا الكلام قام فضرب بنفسه الأرض وجعل يتمرغ ويتقلب ظهرا لبطن ويقول: والله لقد نصحتني يا بني، ثم بكي، ثم رفع رأسه إلى الرجل وقال: أتعرف قبره؟ قلت: نعم أنا دفنته. قال: إذا كان العشى فائتني. قال: فأتيته فذهب إلى قبره فلم يزل يبكي عنده حتى أصبح، ثم أمر لذلك الرجل بعشرة آلاف درهم. وكتب له ولعياله رزقا. وفيها مات:

[عبد الله بن مصعب]

ابن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام، القرشي الأسدي، والد بكار. ألزمه الرشيد بولاية المدينة فقبلها بشروط عدل اشترطها، فأجابه إلى ذلك، ثم أضاف إليه نيابة اليمن، فكان من أعدل الولاة، وكان عمره يوم تولى نحوا من سبعين سنة.


(١) لم يذكر الطبري ولا ابن الأثير في جملة من ذكراه من أولاده.

<<  <  ج: ص:  >  >>