للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: هَذِهِ خِدْمَةُ السَّيْفِ وَالْقَلَمِ، فَأَعْجَبَ الْخَلِيفَةَ ذَلِكَ، وَتَرْحَّلُوا مِنْ مَنْزِلِهِمْ ذَلِكَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، فلما وصلوا النهروان خرج السلطان لتلقي الخليفة، فلما وصل السلطان إلى سرادق الخليفة قبل الأرض سبع مرات بين يدي الخليفة، فَأَخَذَ الْخَلِيفَةُ مِخَدَّةً فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَخَذَهَا الْمَلِكُ فَقَبَّلَهَا، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهَا كَمَا أَشَارَ الخليفة، وَقَدَّمَ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْحَبْلَ الْيَاقُوتَ الْأَحْمَرَ الَّذِي كان لبني بويه، فوضعه بين يديه، وَأَخْرَجَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَبَّةً مِنْ لُؤْلُؤٍ كِبَارٍ، وقال أرسلان خاتون - يعني زوجة الملك - تخدم الخليفة، وسأله أن يسبح بهذه المسبحة، وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ مِنْ تَأَخُّرِهِ عَنِ الْحَضْرَةِ بِسَبَبِ عصيان أخيه فقتله، واتفق موت أخي الأكبر أيضاً، فاشتغلت بترتيب أولاده من بعده، وَأَنَا شَاكِرٌ لِمُهَارِشٍ بِمَا كَانَ

مِنْهُ مِنْ خدمة أمير المؤمنين، وأنا ذاهب إن شاء الله خلف الكلب البساسيري، فأقتله إن شاء الله، ثم أدخل الشَّامِ وَأَفْعَلُ بِصَاحِبِ مِصْرَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يجازى به من سوء المقابلة، فدعا له الخليفة، وَأَعْطَى الْخَلِيفَةُ لِلْمَلِكِ سَيْفًا كَانَ مَعَهُ، لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ أُمُورِ الْخِلَافَةِ سِوَاهُ، وَاسْتَأْذَنَ الْمَلِكُ لِبَقِيَّةِ الْجَيْشِ أَنْ يَخْدِمُوا الْخَلِيفَةَ، فَرُفِعَتِ الأستار عن جوانب الحركات، فَلَمَّا شَاهَدَ الْأَتْرَاكُ الْخَلِيفَةَ قَبَّلُوا الْأَرْضَ، ثُمَّ دخلوا بَغْدَادَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي القعدة، وكان يَوْمًا مَشْهُودًا: الْجَيْشُ كُلُّهُ مَعَهُ وَالْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ والسلطان آخذ بلجام بغلته، إلى أن وصل باب الحجرة، ثم إنه لما وصل الخليفة إلى دار مملكته استأذنه السلطان في الذهاب وَرَاءَ الْبَسَاسِيرِيِّ، فَأَرْسَلَ جَيْشًا (١) مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ لِيَمْنَعُوهُ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى الشَّامِ، وَخَرَجَ هُوَ والناس في التاسع والعشرين من الشهر.

وَأَمَّا الْبَسَاسِيرِيُّ فَإِنَّهُ مُقِيمٌ بِوَاسِطٍ فِي جَمْعِ غلات وأمور يهيئها لقتال السلطان، وعنده أن الملك طغرلبك ومن عنده ليسوا بشئ يُخَافُ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى من إهلاكه إن شاء الله.

[مقتل البساسيري على يدي السلطان طغرلبك]

لما سار السلطان وراءه وصلت السَّرِيَّةُ الْأَوْلَى فَلَقُوهُ بِأَرْضِ وَاسِطٍ وَمَعَهُ ابْنُ مزيد، فاقتتلوا هنالك وانهزم أصحابه عنه، وَنَجَا الْبَسَاسِيرِيُّ بِنَفْسِهِ عَلَى فَرَسٍ، فَتَبِعَهُ بَعْضُ الْغِلْمَانِ فَرَمَى فَرَسَهُ بِنُشَّابَةٍ فَأَلْقَتْهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَجَاءَ الْغُلَامُ فَضَرَبَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ، وأسره واحد منهم يقال له كمسكين (٢) ، فحز رَأْسَهُ وَحَمَلَهُ إِلَى السُّلْطَانِ، وَأَخَذَتِ الْأَتْرَاكُ مِنْ جَيْشِ الْبَسَاسِيرِيِّ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا عَجَزُوا عَنْ حَمْلِهِ، وَلَمَّا وَصَلَ الرَّأْسُ إِلَى السُّلْطَانِ أَمَرَ أَنْ يُذْهَبَ بِهِ إِلَى بَغْدَادَ، وَأَنْ يُرْفَعَ على رمح، وأن يطاف به في المحال وأن يطوف معه الدبادب والبوقات والنفاطون، وَأَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ وَالنِّسَاءُ لِلْفُرْجَةِ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ ذلك، ثم نصب على الطيارة تجاه دار الخليفة، وَقَدْ كَانَ مَعَ الْبَسَاسِيرِيِّ خَلْقٌ مِنَ الْبَغَادِدَةٍ خرجوا معه، ظانين أنه سيعود إلى بغداد، فهلكوا ونهبت أموالهم، ولم ينج من أصحابه


(١) عليه خمارتكين الطغرائي في ألفي فارس (الكامل - العبر) .
(٢) في الكامل ٩ / ٦٤٩: كمشتكين دواتي عميد الملك الكندري، وفي العبر ٣ / ٤٦٥: لمتنكيرز.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>