للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستزخت يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَانْحَلَّتْ قُوَاهُ، وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ.

قَالَتْ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَحَلَلْتُ أَزْرَارَ ثِيَابِهِ فَإِذَا هُوَ لَا يُجِيبُ دَاعِيًا، فَأَغْلَقْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ وَخَرَجْتُ فَأَعْلَمْتُ وَلِيَّ الْعَهْدِ بِذَلِكَ، وجاء الأمراء ورؤس الدولة يعزونه بأبيه، ويهنئونه بالخلافة، فبايعوه.

شئ مِنْ تَرْجَمَةِ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ

هُوَ أَمِيرُ المؤمنين المقتدي بالله أبو عبد الله بن الذخيرة، الأمير ولي العهد أبي العباس أحمد، ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، بْنِ الْقَادِرِ بِاللَّهِ الْعَبَّاسِيِّ، أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ اسْمُهَا أُرْجُوَانُ أَرْمِنِيَّةٌ، أَدْرَكَتْ خِلَافَةَ وَلَدِهَا وَخِلَافَةَ وَلَدِهِ المستظهر وولد ولده المسترشد أيضاً، وكان المقتدي أبيض حُلْوَ الشَّمَائِلِ، عَمَرَتْ فِي أَيَّامِهِ مَحَالٌّ كَثِيرَةٌ من بغداد، ونفى عن بغداد الْمُغَنِّيَاتِ وَأَرْبَابَ الْمَلَاهِي وَالْمَعَاصِي، وَكَانَ غَيُورًا عَلَى حَرِيمِ النَّاسِ، آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ نَاهِيًا عَنِ الْمُنْكَرِ، حسن السيرة، رحمه الله، توفي يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَابِعَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وثمان شُهُورٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ (١) ، خِلَافَتُهُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَ عشرة سنة وثمان شُهُورٍ إِلَّا يَوْمَيْنِ (٢) ، وَأُخْفِيَ مَوْتُهُ ثَلَاثَةَ أيَّام حَتَّى تَوَطَّدَتِ الْبَيْعَةُ لِابْنِهِ الْمُسْتَظْهِرِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي تُرْبَتِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

خِلَافَةُ المستظهر بأمر الله أبي العباس

لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَحْضَرُوهُ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَشَهْرَانِ، فَبُويِعَ بالخلافة، وأول من بايعه الوزير أبو منصور بن جهير، ثم أخذ البيعة له من الملك ركن الدولة بركيارق بن ملكشاه ثم من بقية الأمراء والرؤساء، وتمت البيعة تؤخذ له إلى ثلاثة أيَّام، ثمَّ أظهر التابوت يوم الثلاثاء الثامن عشر من المحرم، وصلى عليه ولده الخليفة، وحضر الناس، ولم يحضر السلطان، وحضر أكثر أمرائه، وحضر الْغَزَّالِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَبَايَعُوهُ يَوْمَ ذَلِكَ، وقد كان المستظهر كَرِيمَ الْأَخْلَاقِ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ فَصِيحًا بَلِيغًا شَاعِرًا مطيقاً، وَمِنْ لَطِيفِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: أَذَابَ حَرُّ الْجَوَى في القلب ما جمدا * يَوْمًا مَدَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْوَدَاعِ يَدَا فَكَيْفَ أسلك نهج الاصطبار وقد * أرى طرائق من يهوى الْهَوَى قِدَدَا قَدْ أَخْلَفَ الْوَعْدَ بَدْرٌ قَدْ شَغِفْتُ بِهِ * مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ وَفَى دَهْرًا بِمَا وَعَدَا إِنْ كُنْتُ أَنْقُضُ عَهْدَ الْحُبِّ فِي خَلَدِي * مِنْ بَعْدِ هَذَا فَلَا عاينته أبدا


(١) في الكامل ١٠ / ٢٣٠ ونهاية الارب ٢٣ / ٢٥٢:.
وسبعة أيام.
وفي تاريخ أبي الفداء ٢ / ٢٠٤: ... وأياما.
وفي المنتظم ٩ / ٨٤: وكان عمره ثمانياً وعشرين سنة وثمانية أشهر وسبعة أيام.
(٢) في تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٨٠: تسع عشرة سنة وثمانية أشهر.
وفي الجوهر الثمين ١ / ١٩٨: وثلاثة أشهر.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>