للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الْفَاطِمِيُّونَ الَّذِينَ كَانُوا بالدِّيار الْمِصْرِيَّةِ، فإنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ أَدْعِيَاءُ وَعَلِيُّ بن أبي طالب ليس مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْأَمْرُ كَمَا كَانَ لِلْخُلَفَاءِ الثَّلاثة قَبْلَهُ، وَلَا اتَّسَعَتْ يَدُهُ فِي الْبِلَادِ كلِّها، ثمَّ تَنَكَّدَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ، وَأَمَّا ابْنُهُ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فإنَّه لَمَّا جَاءَ فِي جُيُوشِهِ

وَتَصَافَى هُوَ وَأَهْلُ الشَّام، وَرَأَى أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ الْخِلَافَةِ، تَرَكَهَا لِلَّهِ عزَّ وَجَلَّ، وَصِيَانَةً لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَثَابَهُ اللَّهُ وَرِضَى عَنْهُ، وأمَّا الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فإنَّ ابْنُ عُمَرَ لمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الذَّهَابِ إِلَى الْعِرَاقِ وَخَالَفَهُ، اعْتَنَقَهُ مُوَدِّعًا وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ، وَقَدْ وَقَعَ مَا تفرَّسه ابْنُ عُمَرَ، فإنَّه لمَّا اسْتَقَلَّ ذَاهِبًا بَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِكَتِيبَةٍ فِيهَا أَرْبَعَةُ آلاف يتقدمهم عُمَرُ (١) بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا اسْتَعْفَاهُ فَلَمْ يُعْفِهِ، فَالْتَقَوْا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلَاءُ بِالطَّفِّ، فَالْتَجَأَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ إِلَى مَقْصَبَةٍ هُنَالِكَ، وَجَعَلُوهَا مِنْهُمْ بِظَهْرٍ، وَوَاجَهُوا أُولَئِكَ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْحُسَيْنُ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ يَدَعُوهُ يَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، وإمَّا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغور فَيُقَاتِلَ فِيهِ، أَوْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ.

فَيَحْكُمَ فِيهِ بِمَا شَاءَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَاحِدَةً منهنَّ، وَقَالُوا: لَا بدَّ مِنْ قُدُومِكَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَيَرَى فِيكَ رَأْيَهُ، فَأَبِي أَنْ يَقَدَمَ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَقَاتَلَهُمْ دُونَ ذَلِكَ، فَقَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبُوا بِرَأْسِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَعِنْدَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ جَالِسٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، ارْفَعْ قَضِيبَكَ، قَدْ طَالَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يقبِّل هَذِهِ الثَّنايا، ثمَّ أَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يُسَارَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ إِلَى الشَّام، إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَيُقَالُ: أنَّه بَعَثَ مَعَهُمْ بالرَّأس حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ يَزِيدَ فَأَنْشَدَ حِينَئِذٍ قَوْلَ بَعْضِهِمْ (٢) : نَفلق هَامًا مِنْ رِجال أعزةٍ (٣) * عَلَينَا وَهُمْ كَانُوا أَعقَّ وأظلمَا ثمَّ أَمَرَ بِتَجْهِيزِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فلمَّا دَخَلُوهَا تلقَّتهم امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ نَاشِرَةً شَعْرَهَا، وَاضِعَةً كفَّها (٤) عَلَى رَأْسِهَا تَبْكِي وَهِيَ تَقُولُ: مَاذا تَقولونَ إنْ قَالَ النَّبيُّ لكمْ * مَاذا فعلتُمْ وأنْتُمْ آخِرَ الأمم


(١) من ابن الاعثم، وفي الاصل عمرو.
٥ / ١٥١.
(٢) البيت للحصين بن حمام وقبله: أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت * قواضب في إيماننا تقطر الدما (٣) في مروج الذهب: أحبة.
(٤) في الطبري: كمها، وفي مروج الذهب: خرجت بنت عقيل بن أبي طالب في نساء من قومها حواسر حائرات.
وقيل اسمها أم لقمان بنت عقيل ومعها أخواتها أم معافى واسماء، ورملة، وزينب، وقال ابن أعثم في فتوحه: قائل الابيات علي بن الحسين.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>