للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْرُجُونَ مِنْهَا إِذَا أَرَادُوا وَتَمَكَّنُوا فِي مَنْزِلِهِمْ ذلك الذي اختاروا وارتادوا، وتفارط الأمر على المسلمين، وَقَوِيَ الْخَطْبُ وَصَارَ الدَّاءُ عُضَالًا، وَازْدَادَ الْحَالُ وبالاً، اختباراً من الله وامتحاناً، وَكَانَ رَأْيُ السُّلْطَانِ أَنْ يُنَاجَزُوا بَعْدَ الْكَرَّةِ سريعاً، ولا يتركوا حتى يطيب البحر فتأتيهم الأمداد من كل صوب، فتعذر عليه الأمر بإملال الجيش والضجر، وكل منهم لِأَمْرِ الْفِرِنْجِ قَدِ احْتَقَرَ، وَلَمْ يَدْرِ مَا قَدْ حُتِّمَ فِي الْقَدَرِ، فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى جَمِيعِ الْمُلُوكِ يَسْتَنْفِرُ وَيَسْتَنْصِرُ، وَكَتَبَ إِلَى الْخَلِيفَةِ بالبث، وبث الكتب بالتحضيض والحث السريع، فَجَاءَتْهُ الْأَمْدَادُ جَمَاعَاتٍ وَآحَادًا، وَأَرْسَلَ إِلَى مِصْرَ يطلب أخاه العادل ويستعجل الأسطول، فقدم عليه فوصل إليه خمسون قِطْعَةً فِي الْبَحْرِ مَعَ الْأَمِيرِ حُسَامِ الدِّينِ لؤلؤ، وقدم العادل في عسكر المصريين، فلما وصل الأسطول حادت مراكب الفرنج عنه يمنة ويسرة، وخافوا منه، واتصل بالبلدة الميرة والعدد والعدد، وانشرحت الصدور بذلك، وانسلخت هذه السنة والحال ما حال بل هو عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إلا إليه.

وفيها توفي مِنَ الْأَعْيَانِ..الْقَاضِي شَرَفُ الدِّينِ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَصْرُونَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، لَهُ كتاب الانتصاف، وَقَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ أَضَرَّ قبل موته بعشر سنين، فجعل ولده نجم الدين مكانه بطيب قلبه وقد بلغ من العمر ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً وَنِصْفًا، وَدُفِنَ بِالْمَدْرَسَةِ الْعَصْرُونِيَّةِ، التي أنشأها عند سَوِيقَةِ بَابِ الْبَرِيدِ، قُبَالَةَ دَارِهِ، بَيْنَهُمَا عَرْضُ الطريق، وكان من الصالحين والعلماء العاملين.

وقد ذكره ابن خلكان فقال: كان أصله من حديثة عانة الْمَوصِلِ، وَرَحَلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إِلَى بُلْدَانٍ شَتَّى، وَأَخَذَ عَنْ أَسْعَدَ الْمِيهَنِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِقِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَوَلِيَ قَضَاءَ سِنْجَارَ وَحَرَّانَ، وَبَاشَرَ فِي أَيَّامِ نُورِ الدِّينِ تَدْرِيسَ الْغَزَّالِيَّةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى حَلَبَ فَبَنَى لَهُ نُورُ الدِّينِ بحلب مدرسة وبحمص أخرى، ثُمَّ قَدِمَ

دِمَشْقَ فِي أَيَّامِ صَلَاحِ الدِّينِ، فَوَلِيَ قَضَاءَهَا فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ جَمَعَ جُزْءًا فِي قَضَاءِ الْأَعْمَى، وَأَنَّهُ جَائِزٌ، وهو خلاف المذهب، وقد حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ.

قَالَ: ولم أره في غير، ولكن حبك الشئ يعمي ويصم، وَقَدْ صَنَّفَ كُتُبًا كَثِيرَةً، مِنْهَا صَفْوَةُ الْمَذْهَبِ في نهاية المطلب، في سبع مجلدات، والانتصاف (١) في أربعة، والخلاف في أربعة، والذريعة [في معرفة الشريعة] (٢) والمرشد وغير ذلك، و [كتابا سماه مأخذ النظر، ومختصراً] (٢) في الفرائض، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ وَالْعِمَادُ فأثنى عليه، وكذلك


(١) في وفيات الاعيان ٣ / ٥٤ وشذرات الذهب ٤ / ٢٨٣: الانتصار.
(٢) ما بين معكوفتين من وفيات الاعيان.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>