قالوا: ولما احتضر الحطيئة قيل له أوص قال أوصيكم بالشعر، ثم قال:
الشعر صعب وطويل سلمه … إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه … والشعر لا يستطبعه من يظلمه
أراد أن يعربه فأعجمه
قال أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم. توفي الحطيئة في هذه السنة، وذكر أيضا فيها وفاة عبد الله بن عامر بن كريز، وقد تقدم في التي قبلها.
[عبد الله بن مالك بن القشب]
واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله بن رافع الأزدي، أبو محمد حليف بني عبد المطلب، المعروف بابن بجينة، وهي أمه بحينة بنت الإرث، واسمه الحارث بن المطلب بن عبد مناف، أسلم قديما، وصحب رسول الله ﷺ، وكان ناسكا قواما صواما، وكان ممن يسرد صوم الدهر كله، قال ابن سعد: كان ينزل بطن ريم على ثلاثين ميلا من المدينة، ومات في عمل مروان في المرة الثانية، ما بين سنة أربع وخمسين إلى ثمان وخمسين، والعجب أن ابن الجوزي نقل من كلام محمد بن سعد، ثم إنه ذكر وفاته في هذه السنة - يعني سنة تسع وخمسين فالله أعلم.
[قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي]
صحابي جليل كأبيه، له في الصحيحين حديث، وهو القيام للجنازة، وله في المسند حديث في صوم عاشوراء، وحديث غسل رسول الله ﷺ في دارهم وغير ذلك، وخدم رسول الله ﷺ عشر سنين، وثبت في صحيح البخاري عن أنس قال: كان قيس بن سعد من النبي ﷺ بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. وحمل لواء رسول الله ﷺ في بعض الغزوات، واستعمله على الصدقة، ولما بعث رسول الله ﷺ أبا عبيدة بن الجراح ومعه ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار، فأصابهم ذلك الجهد الكثير فنحر لهم قيس بن سعد تسع جزائر، حتى وجدوا تلك الدابة على سيف البحر فأكلوا منها، وأقاموا عليها شهرا حتى سمنوا، وكان قيس سيدا مطاعا كريما ممدحا شجاعا، ولاه علي نيابة مصر، وكان يقاوم بدهائه وخديعته وسياسته لمعاوية وعمرو بن العاص، ولم يزل معاوية يعمل عليه حتى عزله علي عن مصر وولى عليها محمد بن أبي بكر الصديق، فاستخفه معاوية، ولم يزل حتى أخذ منه مصر كما قدمنا. وأقام قيس عند علي فشهد معه صفين والنهروان ولزمه حتى قتل ثم صار إلى المدينة، فلما اجتمعت الكلمة على معاوية جاءه ليبايعه كما بايعه أصحابه، قال عبد الرزاق عن ابن عيينة قال قدم قيس بن سعد على معاوية فقال له معاوية: وأنت يا قيس تلجم علي مع من ألجم؟ أما والله لقد كنت أحب أن لا تأتيني هذا اليوم إلا وقد ظفر بك ظفر من أظافري موجع، فقال له قيس: وأنا والله قد كنت كارها أن أقوم في هذا المقام