للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما توفي جلس ولده ملكشاه على سرير الملك وقام الامراء بين يديه، فقال له الوزير نظام الملك: تكلم أيها السلطان، فقال: الأكبر منكم أبي والأوسط أخي والأصغر ابني، وسأفعل معكم ما لم أسبق إليه. فأمسكوا فأعاد القول فأجابوه بالسمع والطاعة. وقام بأعباء أمره الوزير نظام الملك فزاد في أرزاق الجند سبعمائة ألف دينار، وساروا إلى مرو فدفنوا بها السلطان، ولما بلغ موته أهل بغداد أقام الناس له العزاء، وغلقت الأسواق وأظهر الخليفة الجزع، وخلعت ابنة السلطان زوجة الخليفة ثيابها، وجلست على التراب، وجاءت كتب ملكشاه إلى الخليفة يتأسف فيها على والده، ويسأل أن تقام له الخطبة بالعراق وغيرها. ففعل الخليفة ذلك، وخلع ملكشاه على الوزير نظام الملك خلعا سنية، وأعطاه تحفا كثيرة، من جملتها عشرون ألف دينار، ولقبه أتابك الجيوش، ومعناه الأمير الكبير الوالد، فسار سيرة حسنة، ولما بلغ قاورت موت أخيه ألب أرسلان ركب في جيوش كثيرة قاصدا قتال ابن أخيه ملكشاه، فالتقيا فاقتتلا فانهزم أصحاب قاورت وأسر هو، فأنبه ابن أخيه ثم اعتقله ثم أرسل إليه من قتله.

وفيها جرت فتنة عظيمة بين أهل الكرخ وباب البصرة والقلايين فاقتتلوا فقتل منهم خلق كثير، واحترق جانب كبير من الكرخ، فانتقم المتولي لأهل الكرخ من أهل باب البصرة، فأخذ منهم أموالا كثيرة جناية لهم على ما صنعوا. وفيها أقيمت الدعوة العباسية ببيت المقدس. وفيها ملك صاحب سمرقند وهو محمد التكين مدينة ترمذ. وفيها حج بالناس أبو الغنائم العلوي.

وفيها توفي من الأعيان …

[السلطان ألب أرسلان]

الملقب بسلطان العالم، ابن داود جغرى بك، بن ميكائيل، بن سلجوق التركي، صاحب الممالك المتسعة، ملك بعد عمه طغرلبك سبع (١) سنين وستة أشهر وأياما، وكان عادلا يسير في الناس سيرة حسنة، كريما رحيما، شفوقا على الرعية، رفيقا على الفقراء، بارا بأهله وأصحابه ومماليكه، كثير الدعاء بدوام النعم به عليه، كثير الصدقات، يتفقد الفقراء في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، بل كان يقنع من الرعية بالخراج في قسطين، رفقا بهم. كتب إليه بعض السعاة في نظام الملك وزيره وذكر ماله في ممالكه فاستدعاه فقال له: خذ إن كان هذا صحيحا فهذب أخلاقك وأصلح أحوالك، وإن كذبوا فاغفر له زلته، وكان شديد الحرص على حفظ مال الرعايا، بلغه أن غلاما من غلمانه أخذ إزارا لبعض أصحابه فصلبه


(١) في الكامل ١٠/ ٧٤ ومختصر أخبار البشر ٢/ ١٨٩: تسع. وفي العبر لابن خلدون ٣/ ٤٧٢: تسع سنين ونصف.

<<  <  ج: ص:  >  >>