ويخافون وُقُوعِهِ بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ، حَمَاهَا اللَّهُ وَسَلَّمَهَا مَعَ أنَّه قَدْ مَاتَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا بِهَذَا الداء.
وفي صبيحة يوم تاسعه اجتمع الناس بمحراب الصحابة وقرأوا متوزعين سورة نوح ثلاثة آلاف مرة وثلثمائة وثلاث (١) وَسِتِّينَ مَرَّةً، عَنْ رُؤْيَا رَجُلٍ أَنَّهُ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرشده إِلَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ.
وَفِي هَذَا الشَّهْرِ أَيْضًا كَثُرَ الْمَوْتُ فِي النَّاسِ بِأَمْرَاضِ الطَّوَاعِينِ وزاد الأموات كُلِّ يَوْمٍ عَلَى الْمِائَةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَإِذَا وَقَعَ فِي أَهْلِ بَيْتٍ لَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ أَكْثَرُهُمْ، وَلَكِنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى كَثْرَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ قَلِيلٌ، وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مِنْ هَذَا الشهر خلق كثر وجمٌ غَفِيرٌ، وَلَا سِيَّمَا مِنَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ الموت فيهم أَكْثَرُ مِنَ الرِّجَالِ بِكَثِيرٍ كَثِيرٍ، وَشَرَعَ الْخَطِيبُ في القنوت بسائر الصَّلَوَاتِ وَالدُّعَاءِ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ مِنَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ سَادِسَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَحَصَلَ لِلنَّاسِ بِذَلِكَ خُضُوعٌ وَخُشُوعٌ وَتَضَرُّعٌ وَإِنَابَةٌ، وَكَثُرَتِ الْأَمْوَاتُ فِي هَذَا الشَّهْرِ جِدًّا، وَزَادُوا عَلَى الْمِائَتَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَتَضَاعَفَ عَدَدُ الْمَوْتَى مِنْهُمْ، وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ النَّاسِ، وَتَأَخَّرَتِ الْمَوْتَى عَنْ إِخْرَاجِهِمْ، وَزَادَ ضَمَانُ الْمَوْتَى جِدًّا فَتَضَرَّرَ النَّاسُ وَلَا سِيَّمَا الصَّعَالِيكُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ عَلَى الْمَيِّتِ شئ كَثِيرٌ جِدًّا، فَرَسَمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِإِبْطَالِ ضَمَانِ النُّعُوشِ وَالْمُغَسِّلِينَ وَالْحَمَّالِينَ، وَنُودِيَ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ فِي يوم الإثنين سادس عشر ربيع الآخر، ووقف نُعُوشٌ كَثِيرَةٌ فِي أَرْجَاءِ الْبَلَدِ وَاتَّسَعَ النَّاسَ بذلك، ولكن كثرت الموتى فالله المستعان.
وفي يوم الاثنين ثالث وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ نُودِيَ فِي الْبَلَدِ أَنْ يَصُومَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَنْ يَخْرُجُوا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ إِلَى عِنْدِ مَسْجِدِ الْقَدْمِ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْأَلُونَهُ فِي رَفْعِ الْوَبَاءِ عَنْهُمْ، فَصَامَ أَكْثَرُ النَّاسِ وَنَامَ النَّاسُ فِي الْجَامِعِ وَأَحْيَوُا اللَّيْلَ كَمَا يَفْعَلُونَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فلمَّا أَصْبَحَ النَّاس يَوْمَ الْجُمُعَةِ السابع والعشرين منه خرج النَّاس يوم الجمعة من كل فجٍ عميق، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالسَّامِرَةُ، وَالشُّيُوخُ وَالْعَجَائِزُ وَالصِّبْيَانُ، وَالْفُقَرَاءُ وَالْأُمَرَاءُ وَالْكُبَرَاءُ وَالْقُضَاةُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَمَا زَالُوا هُنَالِكَ يَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ جِدًّا، وَكَانَ يَوْمًا
مَشْهُودًا.
وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ عَاشِرِ جُمَادَى الْأُولَى صَلَّى الْخَطِيبُ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ مَيِّتًا جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَتَهَوَّلَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ وَانْذَعَرُوا، وكان الوباء يومئذٍ كثيراً ربما يقارب الثلثمائة بِالْبَلَدِ وَحَوَاضِرِهِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وصلى بعد صلاة عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مَيِّتًا بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَصُلِّيَ على إحدى عشر نَفْسًا رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ رَسَمَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ من البلد، وقد
(١) في الاصل: وثلاثة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute