للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نتكاتب، فأبصر نصر غرة من ابن الْكَرْمَانِيِّ فَنَهَضَ إِلَيْهِ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ، فَحَمَلُوا عليه فقتلوه وقتلوا من جماعته جماعة، وقتل ابن الْكَرْمَانِيُّ فِي الْمَعْرَكَةِ، طَعَنَهُ رَجُلٌ فِي خَاصِرَتِهِ فخرَّ عَنْ دَابَّتِهِ، ثُمَّ أَمَرَ نَصْرٌ بِصَلْبِهِ وصلب معه جماعة، وَصُلِبَ مَعَهُ سَمَكَةٌ، وَانْضَافَ وَلَدُهُ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَمَعَهُ طَوَائِفُ مِنَ النَّاس مِنْ أصحاب ابن الكرماني، فصاروا كتفاً واحداً على نصر.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَغَلَّبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَى فَارِسَ

وَكُوَرِهَا، وَعَلَى حُلْوَانَ وقومس وأصبهان والري، بعد حرب يطول ذكرها، ثُمَّ الْتَقَى عَامِرُ بْنُ ضُبَارَةَ مَعَهُ بِإْصْطَخْرَ فَهَزَمَهُ ابْنُ ضُبَارَةَ وَأَسَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا.

فَكَانَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَنَسَبَهُ ابْنُ ضُبَارَةَ وَقَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ مَعَ ابْنِ مُعَاوِيَةَ وَقَدْ عَلِمْتَ خِلَافَهُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فقال: كان عليَّ دين فأتيته فيه.

فَقَامَ إِلَيْهِ [حَرْبُ بْنُ] قَطَنِ بْنِ وَهْبٍ الهلالي فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهُ وَقَالَ: هُوَ ابْنُ أُخْتِنَا فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَقْدِمَ عَلَى رَجُلٍ من قريش، ثم استعلم ابن ضبارة منه أَخْبَارِ ابْنِ مُعَاوِيَةَ فَذَمَّهُ وَرَمَاهُ هُوَ وَأَصْحَابَهُ باللواط، وجئ مِنَ الْأُسَارَى بِمِائَةِ غُلَامٍ عَلَيْهِمُ الثِّيَابُ الْمُصَبَّغَةُ، وقد كان يعمل معهم الفاحشة، وحمل ابْنُ ضُبَارَةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى البريد لابن هبيرة ليخبره بما أخبر بن ابْنُ ضُبَارَةَ عَنِ ابْنِ مُعَاوِيَةَ.

وَقَدْ كَتَبَ الله عز وجل أن زوال ملك بني أمية يكون على يدي هذا الرجل، وهو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَشْعُرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَّى الْمَوْسِمَ أَبُو حَمْزَةَ الْخَارِجِيُّ فَأَظْهَرَ التَّحَكُّمَ وَالْمُخَالَفَةَ لمروان، وتبرأ مِنْهُ.

فَرَاسَلَهُمْ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عبد الملك وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ، وَإِلَيْهِ أَمْرُ الْحَجِيجِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثمَّ صَالَحَهُمْ عَلَى الْأَمَانِ إِلَى يَوْمِ النَّفْرِ، فَوَقَفُوا عَلَى حدة بين النَّاسِ بِعَرَفَاتٍ، ثُمَّ تَحَيَّزُوا عَنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ تَعَجَّلَ عَبْدُ الْوَاحِدِ وَتَرَكَ مَكَّةَ فَدَخَلَهَا الْخَارِجِيُّ بِغَيْرِ قِتَالٍ، فَقَالَ بَعْضُ الشُّعراء فِي ذَلِكَ: - زَارَ الْحَجِيجَ عِصَابَةٌ قَدْ خَالَفُوا * دِينَ الْإِلَهِ فَفَرَّ عَبْدُ الْوَاحِدِ تَرَكَ الْحَلَائِلَ وَالِإْمَارَةَ هَارِبًا * وَمَضَى يُخَبِّطُ كَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ لو كان والده تنصَّل عرقه * لصفت موارده بعرق الوارد (١) وَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ الْوَاحِدِ إِلَى الْمَدِينَةِ شَرَعَ في تجهيز السَّرايا إلى قتال الْخَارِجِيِّ، وَبَذَلَ النَّفَقَاتِ وَزَادَ فِي أَعْطِيَةِ الْأَجْنَادِ، وسيرهم سريعاً.

وكان أمير العراق يزيد بْنِ هُبَيْرَةَ، وَأَمِيرُ خُرَاسَانَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ، وقد اسْتَحْوَذَ عَلَى بَعْضِ بِلَادِهِ أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ.

وممن توفي فيها مِنَ الْأَعْيَانِ: سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، فِي قَوْلٍ، وَيَحْيَى بْنُ أبي كثير.

وقد ذكرنا تراجمهم في التكميل ولله الحمد.


(١) في الطبري ٨ / ٩٦: لصفت مضاربه بعرق الوالد.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>