للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَذَّةُ الْعُمُرِ خَمْسَةٌ فَاقْتَنِيهَا * مِنْ خليعٍ غَدَا أَدِيبًا فَقِيهَا فِي نَدِيمٍ وقينةٍ وحبيبٍ * ومدامٍ وَسَبِّ مَنْ لَامَ فِيهَا الْوَزِيرُ ابْنُ الْعَلْقَمِيِّ الرَّافِضِيُّ قَبَّحَهُ اللَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، الْوَزِيرُ مؤيد الدين أبو طالب بن العلقمي، وزير المستعصم البغدادي، وخدمة في زمان الْمُسْتَنْصِرِ أُسْتَاذَ دَارِ الْخِلَافَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ صار وزير المستعصم وزير سوء على نفسه وعلى الخليفة وعلى المسلمين، مع أنه من الفضلاء في الإنشاء والأدب، وكان رافضيا خبيثا ردئ الطَّوِيَّةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالْوَجَاهَةِ فِي أَيَّامِ الْمُسْتَعْصِمِ مَا لم يحصل لغيره مِنَ الْوُزَرَاءِ، ثُمَّ مَالَأَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ الكفار هولاكو خان، حتى فعل ما فعل بالإسلام وأهله مما تقدم ذكره، ثم حصل له بعد ذلك من الإهانة والذل على أيدي التتار الذين مالأهم وزال عنه ستر الله، وذاق الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أشد وأبقى، وقد رأته امرأة وهو في الذل والهوان وهو راكب في أيام التتار برذوناً وهو مرسم عليه، وسائق يسوق به ويضرب فرسه، فوقفت إلى جانبه وقالت له: يا بن الْعَلْقَمِيِّ هَكَذَا كَانَ بَنُو الْعَبَّاسِ يُعَامِلُونَكَ؟ فَوَقَعَتْ كَلِمَتُهَا فِي قَلْبِهِ وَانْقَطَعَ فِي دَارِهِ إِلَى أن مات كمداً وغبينة وضيقاً (١) ، وقلة وذلة، فِي مُسْتَهَلِّ جُمَادَى الْآخِرَةِ (٢) مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَدُفِنَ فِي قُبُورِ الرَّوَافِضِ، وَقَدْ سَمِعَ بِأُذُنَيْهِ، وَرَأَى بِعَيْنَيْهِ مِنَ الْإِهَانَةِ مِنَ التَّتَارِ وَالْمُسْلِمِينَ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ.

وَتَوَلَّى بَعْدَهُ وَلَدُهُ الخبيث الوزارة، ثم أخذه الله أخذ القرى وهي ظالمة سريعاً، وقد هجاه بعض الشعراء فقال فيه:

يَا فِرْقَةَ الْإِسْلَامِ نُوحُوا وَانْدُبُوا * أَسَفًا عَلَى مَا حَلَّ بِالْمُسْتَعْصِمِ دَسْتُ الْوَزَارَةِ كَانَ قَبْلَ زَمَانِهِ * لِابْنِ الْفُرَاتِ فَصَارَ لِابْنِ الْعَلْقَمِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَيْدَرَةَ فَتْحُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ العدل محتسب دمشق، كان مشكوراً حَسَنَ الطَّرِيقَةِ، وَجَدُّهُ الْعَدْلُ نَجِيبُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَيْدَرَةَ، وَهُوَ وَاقِفُ الْمَدْرَسَةِ الَّتِي بِالزَّبَدَانِيِّ فِي سَنَةِ تِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ تقبل الله منه وجزاه خيراً.


(١) في مآثر الانافة ٢ / ٩٢: واستبقى هولاكو الوزير ابن العلقمي مدة يسيرة في الوزارة ثم قتله، وبهامشه: " في هامش الاصل ما يأتي بخط مختلف: وهولاكو احسن في قتله الوزير العلقمي ".
وفي الفخري ص ٣٣٨: فمكث الوزير شهورا ثم مرض ومات.
(٢) في الفخري ص ٣٣٩: جمادى الاولى.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>