للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاجْتَمَعَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَنَهَبُوا أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةً، وَذَلِكَ بِالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَغْدَادَ.

ثُمَّ جمع أهل اليسار أموالاً كثيرة من أهل بغداد لتصرف إلى من ينهض إلى ثغور المسلمين لقتال العدو عِوَضًا عَنْ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هُنَاكَ، فأقبل الناس من نواحي الجبال وأهواز وَفَارِسَ وَغَيْرِهَا لِغَزْوِ الرُّوم، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ والجيش لم ينهضوا إلى بلاد الروم وقتال أعداء الإسلام، وقد ضعف جانب الخلافة واشتغلوا بالقيان والملاهي، فعند ذلك غضبت العوام مِنْ ذَلِكَ وَفَعَلُوا مَا ذَكَرْنَا.

وَلِتِسْعٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ

نَهَضَ عَامَّةُ أَهْلِ سَامَرَّا إلى السجن فأخرجوا من فيه أيضاً كما فعل أهل بغداد وَجَاءَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْجَيْشِ يُقَالُ لَهُمُ الزُّرَافَةُ فهزمتهم العامة، فعند ذلك ركب وَصِيفٌ وَبُغَا الصَّغِيرُ وَعَامَّةُ الْأَتْرَاكِ فَقَتَلُوا مِنَ العامة خلقاً كثيراً، وجرت فتن طويلة ثم سكنت.

وفي منتصف رَبِيعٍ الْآخَرِ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ بَيْنَ الْأَتْرَاكِ وَذَلِكَ أن المستعين قَدْ فَوَّضَ أَمْرَ الْخِلَافَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَهُمْ أُتَامِشُ التُّرْكِيُّ، وكان أخص من عند الخليفة وهو بمنزلة الوزير، وفي حجره العباس بن الْمُسْتَعِينِ يُرَبِّيهِ وَيَعَلِّمُهُ الْفُرُوسِيَّةَ.

وَشَاهَكُ الْخَادِمُ، وَأُمُّ الْخَلِيفَةِ (١) .

وَكَانَ لَا يَمْنَعُهَا شَيْئًا تُرِيدُهُ، وَكَانَ لَهَا كَاتِبٌ يُقَالُ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ النَّصْرَانِيُّ.

فَأَقْبَلَ أُتَامِشُ فَأَسْرَفَ فِي أَخْذِ الْأَمْوَالِ حتى لم يبق بيت المال شيئاً، فغضب الأتراك من ذلك وغاروا منه فاجتمعوا وركبوا عليه وَأَحَاطُوا بِقَصْرِ الْخِلَافَةِ وَهُوَ عِنْدَ الْمُسْتَعِينِ، وَلَمْ يمكنه منعه منهم ولا دفعهم عنه، فأخذوه صاغراً فقتلوه وانتبهو أَمْوَالَهُ وَحَوَاصِلَهُ وَدُورَهُ، وَاسْتَوْزَرَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ أَبَا صَالِحٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَزْدَادَ، وَوَلَّى بُغَا الصَّغِيرَ فِلَسْطِينَ، وَوَلَّى وَصِيفًا الْأَهْوَازَ، وجرى خبط كثير وشر كثير، ووهن الخليفة وضعف.

وَتَحَرَّكَتِ الْمَغَارِبَةُ بِسَامَرَّا فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ فَيَرْكَبُونَ ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ.

وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، وَهُوَ الْيَوْمُ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ تَمُّوزَ، مُطِرَ أَهْلُ سَامَرَّا مَطَرًا عَظِيمًا برعد شديد، وبرق متصل وغيم منعقد مُطْبِقٌ وَالْمَطَرُ مُسْتَهِلٌّ كَثِيرٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَفِي ذِي الْحِجَّةِ أَصَابَ أهل الري زلزلة شديدة جداً، وتبعتها رجفة هَائِلَةٌ تَهَدَّمَتْ مِنْهَا الدُّورُ وَمَاتَ مِنْهَا خَلْقٌ كثير، وخرج بقية أهلها إلى الصحراء.

وفيها حج بالناس عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم الإمام وهو والي مكة.

وفيها توفي مِنَ الْأَعْيَانِ أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَزَّانُ.

وَالْحَسَنُ بْنُ الصَّباح البزَّار صَاحِبُ كِتَابِ السُّنَنِ وَرَجَاءُ بن مرجا الحافظ.

وعبد بن حميد صاحب التَّفْسِيرِ الْحَافِلِ.

وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ.

وَعَلِيُّ بن الجهم ابن بدر بْنِ مَسْعُودِ بْنِ أَسَدٍ (٢) الْقُرَشِيُّ السَّامِيُّ مِنْ وَلَدِ سَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ الْخُرَاسَانِيُّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ،


(١) وهي أم ولد صقلبية يقال لها مخارق.
(٢) في الاغاني ١٠ / ٢٠٣ ووفيات الاعيان ٣ / ٣٥٥: أسيد (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>