للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَغْدَادِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَمُصَنِّفِيهِمْ، لَهُ كِتَابُ التَّلْقِينِ يَحْفَظُهُ الطَّلَبَةُ، وَلَهُ غَيْرُهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ، وَقَدْ أَقَامَ بِبَغْدَادَ دَهْرًا، وَوَلِيَ قَضَاءَ داريا وماكسايا (١) ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ لِضِيقِ حَالِهِ، فَدَخَلَ مِصْرَ فَأَكْرَمَهُ الْمَغَارِبَةُ وَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا كَثِيرًا، فَتَمَوَّلَ جَدًّا، فَأَنْشَأَ يَقُولُ مُتَشَوِّقًا إِلَى بَغْدَادَ: سَلَامٌ عَلَى بَغْدَادَ فِي كُلِّ موقفٍ * وَحُقَّ لَهَا مني السلام مضاعف فو الله ما فارقتها عن ملالة * وَإِنِّي بشطَّي جَانِبَيْهَا لَعَارِفُ وَلَكِنَّهَا ضَاقَتْ عَلَيَّ بِأَسْرِهَا * وَلَمْ تَكُنِ الْأَرْزَاقُ فِيهَا تُسَاعِفُ فَكَانَتْ كَخِلٍّ كُنْتُ أَهْوَى دُنُوَّهُ * وَأَخْلَاقُهُ تَنْأَى بِهِ وتخالف قال الخطيب: سَمِعَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنِ ابْنِ السَّمَّاكِ، وَكَتَبْتُ عَنْهُ، وَكَانَ ثِقَةً، وَلَمْ تَرَ الْمَالِكِيَّةُ أحداً أفقه منه.

قال ابن خلكان: وعند وصوله إلى مصر حصل له شئ مِنَ الْمَالِ، وَحَسُنَ حَالُهُ، مَرِضَ مِنْ أَكْلَةٍ اشْتَهَاهَا فَذُكِرَ عَنْهُ أنَّه كَانَ يَتَقَلَّبُ وَيَقُولُ: لا إله إلا الله، عند ما عشنا متنا.

قال: وله أشعار رائقة فمنها قَوْلُهُ: وَنَائِمَةٍ قَبَّلْتُهَا فَتَنَبَّهَتْ * فَقَالَتْ تَعَالَوْا وَاطْلُبُوا اللِّصَّ بالحدِّ فَقُلْتُ لَهَا إِنِّي فَدَيْتُكِ غَاصِبٌ * وَمَا حَكَمُوا فِي غَاصِبٍ بِسِوَى الردِّ خُذِيهَا وكفّي عن أثيم طلابة (٣) * وَإِنْ أنتِ لَمْ تَرْضِي فَأَلْفًا عَلَى الْعَدِّ فَقَالَتْ قِصَاصٌ يَشْهَدُ الْعَقْلُ أَنَّهُ * عَلَى كَبِدِ الْجَانِي ألذُّ مِنَ الشَّهْدِ فَبَاتَتْ يَمِينِي وَهْيَ هِمْيَانُ خِصْرِهَا * وَبَاتَتْ يَسَارِي وَهْيَ وَاسِطَةُ الْعِقْدِ فقالت ألم تخبر بِأَنَّكَ زَاهِدٌ * فَقُلْتُ بَلَى، مَا زِلْتُ أَزْهَدُ فِي الزُّهْدِ وَمِمَّا أَنْشَدَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ: بَغْدَادُ دَارٌ لِأَهْلِ الْمَالِ طَيِّبَةٌ * وَلِلْمَفَالِيسِ دَارُ الضَّنْكِ وَالضِّيقِ ظَلَلْتُ حَيْرَانَ أَمْشِي فِي أَزِقَّتِهَا * كَأَنَّنِي مُصْحَفٌ فِي بَيْتِ زِنْدِيقِ

ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة في سادس المحرم منها اسْتَسْقَى أَهْلُ بَغْدَادَ لِتَأَخُّرِ الْمَطَرِ عَنْ أَوَانِهِ، فَلَمْ يُسْقَوْا، وَكَثُرَ الْمَوْتُ فِي

النَّاسِ، وَلَمَّا كان يوم عاشوراء عملت الروافض بدعتهم، وَكَثُرَ النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ، وَامْتَلَأَتْ بِذَلِكَ الطُّرُقَاتُ وَالْأَسْوَاقُ.

وفي صفر منها أمر الناس بالخروج إلى الاستسقاء فلم يخرج من أهل بغداد مع


(١) في وفيات الاعيان ٣ / ٢٢٢.
بادرايا وباكسايا.
(٢) في الوفيات: ظلامة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>