للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما الدنيا بباقية لحي … ولا حي على الدنيا بباق

وبهذا البيت في آخر النهار:

يسر الفتى ما كان قدم من تقى … إذا عرف الداء الذي هو قاتله

ولد الحسن في خلافة عمر بن الخطاب وأتى به إليه فدعا له وحنكه. ومات بالبصرة في سنة عشر ومائة والله أعلم.

[محمد بن سيرين]

أبو بكر بن أبي عمرو الأنصاري، مولى أنس بن مالك النضري، كان أبوه من سبي عين التمر أسره في جملة السبي خالد بن الوليد فاشتراه أنس ثم كاتبه. وقد ولد له من الأخيار جماعة، محمد، هذا، وأنس بن سيرين، ومعبد، ويحيى، وحفصة، وكريمة، وكلهم تابعيون ثقات أجلاء، رحمهم الله تعالى.

قال البخاري: ولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان. وقال هشام بن حسان: هو أصدق

من أدركت من البشر. وقد تقدم هذا كله فيما ذكره المؤلف.

كان ابن سيرين إذا ذكر عنده رجل بسوء ذكره بأحسن ما يعلم. وقال خلف بن هشام: كان محمد بن سيرين قد أعطى هديا وسمتا وخشوعا، وكان الناس إذا رأوه ذكروا الله. ولما مات أنس بن مالك أوصى أن يغسله محمد بن سيرين - وكان محمد محبوسا - فقالوا له في ذلك، فقال: أنا محبوس فقالوا: قد استأذنا الأمير في إخراجك، قال: إن الأمير لم يحبسني، إنما حبسني من له الحق، فأذن له صاحب الحق فغسله. وقال يونس: ما عرض لمحمد بن سيرين أمران إلا أخذ بأوثقهما في دينه، وقال: إني لاعلم الذنب الذي حملت بسببه، إني قلت يوما لرجل: يا مفلس، فذكر هذا لأبي سليمان الداراني فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين أتوا. ومثلنا قد كثرت ذنوبنا فلم ندر من أين نؤتي، ولا بأي ذنب نؤخذ. وكان إذا دعي إلى وليمة يدخل منزله فيقول: ايتوني بشربة سويق فيشربها ويقول: إني أكره أن أحمل جوعي إلى موائدهم وطعامهم: وكان يدخل السوق نصف النهار فيكبر الله ويسبحه ويذكره ويقول: إنها ساعة غفلة الناس، وقال: إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه يأمره وينهاه. وقال: ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم منه وتكتم خيره. وقال: العزلة عبادة، وكان إذا ذكر الموت مات منه كل عضو على حدته. وفي رواية كان يتغير لونه وينكر حاله، حتى كأنه ليس بالذي كان، وكان إذا سئل عن الرؤيا قال للسائل: اتق الله في اليقظة ولا يغرك ما رأيت في المنام. وقال له رجل: رأيت كأني أصب الزيت في الزيتون، فقال: فتش على امرأتك فإنها أمك، ففتش فإذا هي أمه. وذلك أن الرجل أخذ من بلاده صغيرا سبيا ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>