للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رجب منها ظهر عيسى بن جعفر وعلي بن زيد الحسنيان بالكوفة وقتلا بها عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى واستفحل أمرهما بها.

[موت الخليفة المعتز بن المتوكل]

ولثلاث بقين من رجب من هذه السنة خلع الخليفة المعتز بالله، والليلتين مضتا من شعبان أظهر موته. وكان سبب خلعه أن الجند اجتمعوا فطلبوا منه أرزاقهم فلم يكن عنده ما يعطيهم، فسأل من أمه أن تقرضه مالا يدفعهم عنه به فلم تعطه. وأظهرت أنه لا شئ عندها، فاجتمع الأتراك على خلعه (١) فأرسلوا إليه ليخرج إليهم فاعتذر بأنه قد شرب دواء وأن عنده ضعفا، ولكن ليدخل إلى بعضكم. فدخل إليه بعض الأمراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه وجروا برجله وأخرجوه وعليه قميص مخرق ملطخ بالدم (٢)، فأقاموه في وسط دار الخلافة في حر شديد حتى جعل يراوح بين رجليه من شدة الحر، وجعل بعضهم بلطمه وهو يبكي ويقول له الضارب اخلعها والناس مجتمعون ثم أدخلوه حجرة مضيقا عليها فيها. وما زالوا عليه بأنواع العذاب حتى خلع نفسه من الخلافة وولى بعده المهتدي بالله كما سيأتي. ثم سلموه إلى من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلات، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة أيام حتى جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق، ثم أدخلوه سربا فيه جص جير فدسوه فيه فأصبح ميتا، فاستلوه من الجص سليم الجسد واشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر، وكان ذلك في اليوم الثاني من شعبان من هذه السنة، وكان يوم السبت، وصلى عليه المهتدي بالله، ودفن مع أخيه المنتصر إلى جانب قصر الصوامع، عن أربع وعشرين سنة. وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما وكان طويلا جسيما وسيما أقنى الانف مدور الوجه حسن الضحك أبيض أسود الشعر مجعده، كثيف اللحية حسن العينين ضيق الحاجبين أحمر الوجه وقد أثنى عليه الإمام أحمد في جودة ذهنه وحسن فهمه وأدبه حين دخل عليه في حياة أبيه المتوكل، كما قدمنا في ترجمة أحمد. وروى الخطيب عن علي بن حرب قال: دخلت على المعتز فما رأيت خليفة أحسن وجها منه، فلما رأيته سجدت فقال: يا شيخ تسجد لغير الله؟ فقلت: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، ثنا بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، عن أبيه، عن جده " أن رسول الله كان إذا رأى ما يفرح به أو بشر بما يسره سجد شكرا لله ﷿ ". وقال الزبير بن بكار: سرت إلى المعتز وهو أمير فلما سمع بقدومي خرج مستعجلا إلى فعثر فأنشأ يقول:


(١) ذكر المسعودي في خلع المعتز أنه: لما رأى الأتراك إقدام المعتز على قتل رؤسائهم وإعمال الحيلة في فنائهم، وأنه قد اصطنع المغاربة والفراغنة دونهم صاروا إليه بأجمعهم وجعلوا يقرعونه بذنوبه ويوبخونه على أفعاله وطالبوه بالأموال .. ثم خلعوه ٤/ ٢٠٢.
(٢) في مروج الذهب: وعليه قميص مدنس وعلى رأسه منديل.

<<  <  ج: ص:  >  >>