للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فَأَخَذَ عَجُوزًا مِنْ عجائز هوازن، وقال حين أخذها: أوى عَجُوزًا إِنِّي لِأَحْسَبُ لَهَا فِي الْحَيِّ نَسَبًا، وَعَسَى أَنْ يَعْظُمَ فِدَاؤُهَا، فَلَمَّا ردَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّبَايَا بِسِتِّ فَرَائِضَ (١) أَبَى أَنْ يَرُدَّهَا، فَقَالَ لَهُ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ: خُذْهَا عَنْكَ فَوَاللَّهِ مَا فُوهَا بِبَارِدٍ، وَلَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ، وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ، ولا زوجها بواجد، ولا درها بماكد (٢) ، إنك ما أخذتها والله بيضاء غريرة ولا نصفا وثيرة فردها بست فرائض قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَلَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَائِمَ بِالْجِعْرَانَةِ أَصَابَ كُلَّ رَجُلٍ أَرْبَعٌ مِنَ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ شَاةً (٣) .

وَقَالَ سَلَمَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ شهد حنين قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لِأَسِيرُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَةٍ لِي، وَفِي رِجْلِي نَعْلٌ غَلِيظَةٌ، إِذْ زَحَمَتْ نَاقَتِي نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقَعُ حَرْفُ نَعْلِي عَلَى سَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْجَعَهُ، فَقَرَعَ قَدَمِي بِالسَّوْطِ وَقَالَ: " أَوْجَعْتَنِي فَتَأَخَّرْ عَنِّي " فَانْصَرَفْتُ فلما كان الْغَدِ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَمِسُنِي قَالَ: قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ لِمَا كُنْتُ أَصَبْتُ مِنْ رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَمْسِ، قَالَ فَجِئْتُهُ وَأَنَا أَتَوَقَّعُ فَقَالَ " إِنَّكَ أَصَبْتَ رِجْلِي بِالْأَمْسِ فَأَوْجَعْتَنِي فَقَرَعْتُ قَدَمَكَ بِالسَّوْطِ فَدَعَوْتُكَ لِأُعَوِّضَكَ مِنْهَا " فَأَعْطَانِي ثَمَانِينَ نَعْجَةً بِالضَّرْبَةِ الَّتِي ضَرَبَنِي، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ إِلَى هَوَازِنَ سَبْيَهُمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كما دل عليه السِّيَاقُ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ سِيَاقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شعيب الذي أورده محمد بن إسحاق عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ إِلَى هَوَازِنَ سَبْيَهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلِهَذَا لَمَّا رَدَّ السَّبْيَ وَرَكِبَ عَلَقَتِ الْأَعْرَابُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ لَهُ اقْسِمْ عَلَيْنَا فَيْئَنَا حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ فَقَالَ " رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي أَيُّهَا النَّاسُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ لَكُمْ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نعماً لقسمته فِيكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذَّابًا " كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بِنَحْوِهِ.

وَكَأَنَّهُمْ خَشُوا أَنْ يَرُدَّ إِلَى هَوَازِنَ أَمْوَالَهُمْ كَمَا رَدَّ إِلَيْهِمْ نِسَاءَهُمْ وَأَطْفَالَهُمْ فَسَأَلُوهُ قِسْمَةَ ذَلِكَ فَقَسَّمَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

وَالسَّلَامُ بالجعرانة كما أمره الله عزوجل وَآثَرَ أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ وَتَأَلَّفَ أَقْوَامًا مِنْ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ وَأُمَرَائِهِمْ فَعَتَبَ عَلَيْهِ أُنَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حتَّى خَطَبَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ وَجْهَ الْحِكْمَةِ فيما فعله تطبيباً لِقُلُوبِهِمْ، وَتَنَقَّدَ بَعْضُ مَنْ لَا يَعْلَمُ مِنَ الْجَهَلَةِ وَالْخَوَارِجِ كَذِي الْخُوَيْصِرَةِ وَأَشْبَاهِهِ قَبَّحَهُ اللَّهُ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ، ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: ثَنَا السُّمَيْطُ السَّدُوسِيُّ عَنْ أَنَسِ بن مالك قال:


(١) الفرائض: جمع فريضة، وهو البعير المأخوذ في الزكاة، سمي فريضة لانه فرض على رب المال، ثم اتسع فيه حتى سمي البعير فريضة.
(٢) ماكد: غزير.
(٣) العبارة في الواقدي: أربع من الإبل أو أربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنتي عشرة من الابل أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم له، ٣ / ٩٤٩.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>