للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ مَسْمُوعَاتِهِ، فَسَمِعَهُ الْمُحَدِّثُونَ مِنْهُ، وَوَرَدَ الشَّيْخُ أبو القاسم علي بن الحسين الحسني الدَّبُّوسِيُّ إِلَى بَغْدَادَ فِي تَجَمُّلٍ عَظِيمٍ، فَرَتَّبَهُ مُدَرِّسًا بِالنِّظَامِيَّةِ بَعْدَ أَبِي سَعْدٍ الْمُتَوَلِّي.

وَفِي رَبِيعٍ الْآخِرِ فُرِغَتِ الْمَنَارَةُ بِجَامِعِ الْقَصْرِ وَأُذِّنَ فيها، وفي هذه السنة كَانَتْ زَلَازِلُ هَائِلَةٌ بِالْعِرَاقِ وَالْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ، فَهَدَمَتْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْعُمْرَانِ، وَخَرَجَ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَى الصَّحْرَاءِ ثُمَّ عَادُوا.

وَحَجَّ بِالنَّاسِ الْأَمِيرُ خُمَارْتِكِينُ الْحَسَنَانِيُّ، وَقُطِعَتْ خُطْبَةُ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، وَقُلِعَتِ الصَّفَائِحُ الَّتِي عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ التي عليها ذكر الخليفة المصري، وجدد غيرها عليها، وكتب عَلَيْهَا

اسْمُ الْمُقْتَدِي.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَظَهَرَ رَجُلٌ بَيْنَ السِّنْدِيَّةِ وَوَاسِطٍ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَهُوَ مَقْطُوعُ الْيَدِ الْيُسْرَى، يَفْتَحُ الْقُفْلَ فِي أَسْرَعِ مُدَّةٍ، وَيَغُوصُ دِجْلَةَ فِي غَوْصَتَيْنِ، وَيَقْفِزُ الْقَفْزَةَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَيَتَسَلَّقُ الْحِيطَانَ الْمُلْسَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَخَرَجَ مِنَ الْعِرَاقِ سَالِمًا.

قال: وفيها توفي فقير فِي جَامِعِ الْمَنْصُورِ فَوُجِدَ فِي مُرَقَّعَتِهِ سِتُّمِائَةِ دينار مغربية، أي صحاحاً كباراً، من أحسن الذهب.

قَالَ وَفِيهَا عَمِلَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ سِمَاطًا لِلسُّلْطَانِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ أَبِي الْفَتْحِ مَلِكْشَاهْ، اشْتَمَلَ على ألف رأس من الغنم، ومائة جمل وغيرها، ودخله عشرون ألف من السكر، وجعل عليه من أصناف الطيور والوحوش، ثم أردفه من السكر شئ كثير، فتناول السلطان بيده مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا، ثُمَّ أَشَارَ فَانْتُهِبَ عَنْ آخِرِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ إِلَى سُرَادِقٍ عَظِيمٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ مِنَ الْحَرِيرِ، وَفِيهِ خَمْسُمِائَةِ قِطْعَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَأَلْوَانٌ مِنْ تَمَاثِيلِ النَّدِّ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَدَّ فِيهِ سِمَاطًا خَاصًّا فَأَكَلَ السُّلْطَانُ حِينَئِذٍ، وَحَمَلَ إليه عشرين ألف دينار، وقدم إليه ذلك السرادق بما فيه بكماله، وانصرف وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ ... الْأَمِيرُ جَعْبَرُ بْنُ سابق القشيري الملقب بسابق الدِّينِ، كَانَ قَدْ تَمَلَّكَ قَلْعَةَ جَعْبَرٍ (١) مُدَّةً طَوِيلَةً فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُقَالُ لَهَا قبل ذلك الدوشرية (٢) ، نِسْبَةً إِلَى غُلَامِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْأَمِيرَ كَبِرَ وَعَمِيَ، وَكَانَ لَهُ وَلَدَانِ يَقْطَعَانِ الطَّرِيقَ، فَاجْتَازَ بِهِ السُّلْطَانُ مَلِكْشَاهْ بْنُ أَلْبِ أَرْسَلَانَ السَّلْجُوقِيُّ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى حلب فأخذ القلعة وقتله كما تقدم.


(١) جعبر: قال ياقوت في معجم البلدان، والجعبر في اللغة: الغليظ القصير، وقلعة جعبر على الفرات بين بالس والرقة قرب صفين، فملكها رجل من بني قشير أعمى يقال له جعبر بن مالك.
(٢) في معجم البلدان: دوسر.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>