للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان الصديق حرق الفجاءة بالبقيع في المدينة، وكان سببه أنه قدم عليه فزعم أنه أسلم، وسأل منه أن يجهز معه جيشا يقاتل به أهل الردة، فجهز معه جيشا، فلما سار جعل لا يمر بمسلم ولا مرتد إلا قتله وأخذ ماله، فلما سمع الصديق بعث وراءه جيشا فرده، فلما أمكنه بعث به إلى البقيع، فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار فحرقه وهو مقموط.

[قصة سجاح وبني تميم]

كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة، فمنهم من ارتد ومنع الزكاة، ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى الصديق، ومنهم من توقف لينظر في أمره، فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التغلبية من الجزيرة، وهي من نصارى العرب، وقد ادعت النبوة ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها، فاستجاب لها عامتهم، وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي، وعطارد بن حاجب، وجماعة من سادات أمراء بني تميم، وتخلف آخرون منهم عنها، ثم اصطلحوا على أن لا حرب بينهم، إلا أن مالك بن نويرة لما وادعها ثناها عن عودها، وحرضها على بني يربوع، ثم اتفق الجميع على قتال الناس، وقالوا: بمن نبدأ؟ فقالت لهم فيما تسجعه: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب، ثم إنهم تعاهدوا على نصرها، فقال قائل منهم (١):

أتتنا أخت تغلب في رجال (٢) … جلائب من سراة بني أبينا

وأرست دعوة فينا سفاها … وكانت من عمائر آخرينا

فما كنا لنرزيهم زبالا … وما كانت لتسلم إذ أتينا

ألا سفهت حلومكم وضلت … عشية تحشدون لها ثبينا

وقال عطارد بن حاجب في ذلك:

أمست نبيتنا أنثى نطيف بها … وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا

ثم إن سجاح قصدت بجنودها اليمامة، لتأخذها من مسيلمة بن حبيب الكذاب، فهابه قومها، وقالوا: إنه قد استفحل أمره وعظم، فقالت لهم فيما تقوله: عليكم باليمامة … دفوا دفيف الحمامة … فإنها غزوة صرامة … لا تلحقكم بعدها ملامة … قال: فعمدوا لحرب مسيلمة، فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده، وذلك أنه مشغول بمقاتلة ثمامة بن أثال، وقد ساعده عكرمة بن أبي جهل بجنود المسلمين، وهم نازلون ببعض بلاده ينتظرون قدوم خالد كما سيأتي، فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت، فقد رده


(١) هو الأصم التميمي كما في الطبري.
(٢) في الطبري: أتتنا أخت تغلب فاستهدت.

<<  <  ج: ص:  >  >>