للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّنا أُخرنا عَنِ الْمَشُورَةِ، وَإِنَّا نَرَى أَبَا بَكْرٍ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا.

إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ، وَإِنَّا لَنَعَرِفُ شَرَفَهُ وَخَيْرَهُ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بالصَّلاة بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ، وَهَذَا اللَّائِقُ بعلي رضي الله عنه والذي يدل عَلَيْهِ الْآثَارُ مِنْ شُهُودِهِ مَعَهُ الصَّلوات، وَخُرُوجِهِ مَعَهُ إِلَى ذِي القصَّة بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا سَنُورِدُهُ، وَبَذْلِهِ لَهُ النَّصيحة وَالْمَشُورَةَ، بَيْنَ يَدَيْهِ، وأمَّا مَا يَأْتِي مِنْ مُبَايَعَتِهِ إيَّاه بَعْدَ مَوْتِ فاطمة، وقد ماتت بعد أبيها عليه السلام بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا بَيْعَةٌ ثَانِيَةٌ أَزَالَتْ مَا كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْ وَحْشَةٍ بِسَبَبِ الْكَلَامِ فِي الْمِيرَاثِ وَمَنْعِهِ إيَّاهم ذَلِكَ بالنَّص عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكَنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيرَادُ أَسَانِيدِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ * وَقَدْ كَتَبْنَا هَذِهِ الطُّرُقَ مُسْتَقْصَاةً فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَفْرَدْنَاهُ فِي سِيرَةِ الصِّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا أَسْنَدَهُ مِنَ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، وَمَا رُوي عَنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ مبوَّبة عَلَى أَبْوَابِ الْعِلْمِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ نَادَى مُنَادِي أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْغَدِ مِنْ متوفَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليتمَّم بَعْثُ أُسَامَةَ: أَلَا لَا يَبْقَيَنَّ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ من جيش أُسَامَةَ إِلَّا خَرَجَ إِلَى عَسْكَرِهِ بِالْجُرْفِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فِي النَّاس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أيُّها النَّاس إنَّما أَنَا مِثْلُكُمْ وإنِّي لعلَّكم تكلِّفونني مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطِيقُ، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى محمَّداً

عَلَى الْعَالَمِينَ، وَعَصَمَهُ مِنَ الْآفَاتِ، وإنَّما أَنَا متَّبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فبايعوني، وَإِنْ زِغْتُ فقوِّموني، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قُبِضَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأمَّة يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ ضَرْبَةِ سَوْطٍ فَمَا دُونَهَا، وإنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي فَإِذَا أَتَانِي فاجتذوني لَا أُؤَثِّرُ فِي أَشْعَارِكُمْ وَأَبْشَارِكُمْ، وإنَّكم تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَجَلٍ قَدْ غُيِّب عَنْكُمْ عِلْمُهُ، وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا يَمْضِيَ إِلَّا وَأَنْتُمْ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ فَافْعَلُوا، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَسَابِقُوا فِي مَهْلِ آجَالِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تسلِّمكم آجَالُكُمْ إِلَى انْقِطَاعِ الْأَعْمَالِ، فإنَّ قوماً نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم بعدهم، فإيَّاكم أن تكونوا أمثالهم، الجدَّ الجدَّ، النَّجاة النَّجاة، الْوَحَا الْوَحَا فإنَّ وَرَاءَكُمْ طَالِبًا حَثِيثًا، وَأَجَلًا أمره سَرِيعٌ، احْذَرُوا الْمَوْتَ، وَاعْتَبِرُوا بِالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَانِ، ولا تطيعوا الأحياء إلا بما تطيعوا بِهِ الْأَمْوَاتَ، قَالَ: وَقَامَ أَيْضًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الله لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا أُرِيدَ به وجهه، فأريدوا الله بأعمالكم، فإنَّما أخلصتم لِحِينِ فَقْرِكُمْ وَحَاجَتِكُمْ، اعْتَبَرُوا عِبَادَ اللَّهِ بِمَنْ مَاتَ مِنْكُمْ، وتفكَّروا فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَيْنَ كَانُوا أَمْسِ، وَأَيْنَ هُمُ الْيَوْمَ، أَيْنَ الجبَّارون الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ ذِكْرُ الْقِتَالِ وَالْغَلَبَةِ فِي مَوَاطِنِ الْحُرُوبِ، قَدْ تَضَعْضَعَ بِهِمُ الدَّهر، وَصَارُوا رميماً، قد تولَّت عليهم العالات، الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثَيْنِ، وَالْخِبِّيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ، وَأَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ أَثَارُوا الْأَرْضَ وعمَّروها؟ قَدْ بَعُدُوا وَنُسِيَ ذِكْرُهُمْ، وصاروا كلا شئ، أَلَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبْقَى عَلَيْهِمُ التَّبعات، وَقَطَعَ عَنْهُمُ الشَّهوات، وَمَضَوْا وَالْأَعْمَالُ أعمالهم، والدُّنيا دنيا غيرهم، وبعثنا خَلَفًا بَعْدَهُمْ، فَإِنْ نَحْنُ اعْتَبَرْنَا بِهِمْ نَجَوْنَا، وإن انحدرنا كنَّا مثلهم، أين الوضاءة الْحَسَنَةُ وُجُوهُهُمْ، الْمُعْجَبُونَ بِشَبَابِهِمْ؟ صَارُوا تُرَابًا، وَصَارَ مَا فرَّطوا فِيهِ حَسْرَةً عَلَيْهِمْ، أَيْنَ الَّذِينَ بَنَوُا الْمَدَائِنَ وحصَّنوها بِالْحَوَائِطِ، وَجَعَلُوا فِيهَا الْأَعَاجِيبَ؟ قَدْ تَرَكُوهَا لِمَنْ خَلْفَهُمْ، فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ خَاوِيَةً وَهُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>