للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال سيف بن عمر وكانت هذه الوقعة في شعبان من سنة ثلاث [عشرة] (١) بعد اليرموك بأربعين يوما فالله أعلم، وتراجع المسلمون بعضهم إلى بعض وكان منهم من فر إلى المدينة فلم يؤنب عمر الناس بل قال أنا فيئكم وأشغل الله المجوس بأمر ملكهم. وذلك أن أهل المدائن عدوا على رستم فخلعوه ثم ولوه وأضافوا إليه الفيرزان، واختلفوا على فرقتين (٢)، فركب الفرس إلى المدائن ولحقهم المثنى بن حارثة في نفس من المسلمين، فعارضه أميران (٣) من أمرائهم في جيشهم، فأسرهما وأسر معهما بشرا كثيرا فضرب أعناقهم. ثم أرسل المثنى إلى من بالعراق من أمراء المسلمين يستمدهم، فبعثوا إليه بالامداد، وبعث إليه عمر بن الخطاب بمدد كثير فيهم جرير بن عبد الله البجلي، في قومه بجيلة بكمالها، وغيره من سادات المسلمين (٤) حتى كثر جيشه.

[وقعت البويب التي اقتص فيها المسلمون من الفرس]

فلما سمع بذلك أمراء الفرس، وبكثرة جيوش المثنى، بعثوا إليه جيشا آخر مع رجل يقال له مهران فتوافوا هم وإياهم بمكان يقال له " البويب " قريب من مكان الكوفة اليوم وبينهما الفرات. فقالوا: إما أن تعبروا إلينا، أو نعبر إليكم. فقال المسلمون: بل اعبروا إلينا. فعبرت الفرس إليهم فتواقفوا، وذلك في شهر رمضان. فعزم المثنى على المسلمين في الفطر فأفطروا عن آخرهم ليكون أقوى لهم، وعبى الجيش، وجعل يمر على كل راية من رايات الامراء على القبائل ويعظهم ويحثهم على الجهاد والصبر والصمت. وفي القوم جرير بن عبد الله البجلي في بجيلة وجماعة من سادات المسلمين. وقال المثنى لهم: إني مكبر ثلاث تكبيرات فتهيأوا، فإذا كبرت الرابعة فاحملوا. فقابلوا قوله بالسمع والطاعة والقبول. فلما كبر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا حتى غالقوهم، واقتتلوا قتالا شديدا، ورأى المثنى في بعض صفوفه خللا، فبعث إليهم رجلا يقول: الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: لا تفضحوا العرب (٥) اليوم فاعتدلوا. فلما رأى ذلك منهم - وهم بنو عجل - أعجبه وضحك. وبعث إليهم يقول: يا معشر المسلمين عاداتكم، انصروا الله


(١) من الطبري، وفي فتوح البلدان: كانت وقعة الجسر يوم السبت في آخر شهر رمضان سنة ثلاث عشرة.
(٢) في الطبري: فرقة الفهلوج على رستم وأهل فارس على الفيرزان.
(٣) وهما: جابان ومردانشاه. كما في الطبري والكامل.
(٤) في ابن الأعثم صار جرير في سبعمائة رجل، وفي الطبري: بعث عمر جرير في بجيلة، وعصمة بن عبد الله من بني عبد بن الحارث الضبي فيمن تبعه من بني ضبة، وهلال بن علقمة التيمي مع الرباب، وابن المثنى الجشمي مع جشم سعد، وعبد الله بن ذي السهمين مع أناس من خثعم، وربعي في بعض بني حنظلة، وربعي بن عامر بن خالد العنود على بعض بني عمرو وقرط بن جماح على عبد القيس. وابن مردى التغلبي في أناس من بني تغلب (الطبري ٤/ ٧٣)، وأنس بن هلال النمري في بنى النمر.
(٥) في الطبري: المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>