للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضرطوا به فَنَزَلَ عَنْ سَرِيرِ الْمَمْلَكَةِ وَدَخَلَ خَانِقَاهُ، وَصَارَ فَقِيرًا مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِهَا، وَتَابَ عَنِ الْمُلْكِ وَاسْتَحْوَذَ أُولَئِكَ الْأَتْرَاكُ عَلَى الْبِلَادِ فَنَهَبُوهَا وَتَرَكُوهَا قاعاً صفصفاً، وأفسدوا في الأرض فسادا عريضاً، وأقاموا سليمان شاه ملكاً، فلم تطل أيامه حَتَّى عَزَلُوهُ، وَوَلَّوُا ابْنَ أُخْتِ سَنْجَرَ الْخَاقَانِ محمود بْنِ كُوخَانَ (١) ، وَتَفَرَّقَتِ الْأُمُورُ وَاسْتَحْوَذَ كُلُّ إِنْسَانٍ منهم عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمَمَالِكِ، وَصَارَتِ الدَّوْلَةُ دُوَلًا.

وَفِيهَا كَانَتْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ بَيْنَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْعَرَبِ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ.

وَفِيهَا أَخَذَتِ الفرنج مدينة عسقلان من ساحل غزة.

وَفِيهَا خَرَجَ الْخَلِيفَةُ إِلَى وَاسِطٍ فِي جَحْفَلٍ فَأَصْلَحَ شَأْنَهَا وَعَادَ إِلَى بَغْدَادَ.

وَحَجَّ بِالنَّاسِ فيها قيماز الأرجواني.

وفيها كانت وفاة الشاعرين القرينين الشهيرين في الزمان الأخير بالفر زدق وَجَرِيرٍ وَهُمَا أَبُو الْحَسَنِ (٢) أَحْمَدُ بْنُ مُنِيرٍ الْجَوْنِيُّ بِحَلَبَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نصر بن صغير (٣) القيسراني الحلبي بدمشق، وَعَلِيُّ بْنُ السَّلَارِ الْمُلَقَّبِ بِالْعَادِلِ وَزِيرِ الظَّافِرِ صَاحِبِ مِصْرَ، وَهُوَ بَانِي الْمَدْرَسَةِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لِلشَّافِعِيَّةِ للحافظ أبي طاهر السلفي، وَقَدْ كَانَ الْعَادِلُ هَذَا ضِدَّ اسْمِهِ، كَانَ ظَلُومًا غَشُومًا حَطُومًا، وَقَدْ تَرْجَمَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ.

ثم دخلت سنة تسع وأربعين وخمسمائة فِيهَا رَكِبَ الْخَلِيفَةُ الْمُقْتَفِي فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ إلى تكريت فحاصر قلعتها، ولقي هناك جمعاً من الأتراك والتركمان، فأظفره الله بهم، ثم عاد إلى بغداد.

ملك السلطان نور الدين الشهيد بدمشق وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ مِصْرَ قَدْ قُتِلَ خَلِيفَتُهَا الظَّافِرُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا صَبِيٌّ صَغِيرٌ ابن خمس شهور (٤) ، قَدْ وَلَّوْهُ عَلَيْهِمْ وَلَقَّبُوُهُ الْفَائِزَ، فَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ عهداً إلى نور الدين محمود بن زنكي بالولاية


(١) ابن بغراجان كما في ابن الاثير، وذكره ابن خلدون في العبر: محمد بن محمود.
(٢) في الوافي ووفيات الاعيان والنجوم الزاهرة وابن عساكر: أبو الحسين.
الشاعر المشهور ولد ابن منير سنة ٤٧٣ هـ قدم دمشق فسكنها ثم سجن فيها ثم شفعوا فيه فنفاه صاحب دمشق بوري بن طغتكين كان بينه وبين ابن القيسراني مكاتبات وأجوبة ومهاجاة وكانا مقيمين في حلب متنافسين في صنعتهما على عادة المتماثلين.
مات هذه السنة ودفن بجبل جوشن بحلب.
(٣) الشاعر المشهور وحامل لواء الشعر في زمانه ولد بعكا سنة ٤٧٨ هـ ونشأ بقيسرية الساحل فنسب إليها وسكن دمشق، ثم سكن حلب وتولى بها خزانة الكتب، وتردد إلى دمشق وبها مات في هذه السنة.
(٤) في الكامل ١١ / ١٩٢: سنين.
(انظر ابن خلدون ٤ / ٧٥) .
وفي بدائع الزهور ١ / ١ / ٢٢٩: نحو ست سنين.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>