للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ أَبُو أَيُّوبَ بِأَرْضِ الرُّومِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَدُفِنَ عِنْدَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَقَبْرُهُ هُنَالِكَ يَسْتَسْقِي بِهِ الرُّومُ إِذَا قَحَطُوا، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَدْفُونٌ فِي حَائِطِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَعَلَى قَبْرِهِ مَزَارٌ وَمَسْجِدٌ وَهُمْ يُعَظِّمُونَهُ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ: حدَّثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، ثَنَا مَيْسَرَةُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَتَوَجَّهَانِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيَانِ فَيَنْصَرِفُ أحدهما وصلاته أوزن من صلاة الآخر، وَيَنْصَرِفُ الْآخَرُ وَمَا تَعْدِلُ صَلَاتُهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، إِذَا كَانَ أَوْرَعَهُمَا عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَأَحْرَصَهُمَا على المسارعة إلى الخير ".

وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ وَيُوجِزَ فَقَالَ لَهُ: " إِذَا صَلَّيْتَ صَلَاةً فصلِ صَلَاةَ مودعٍ، وَلَا تَكَلَّمَنَّ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ، وَأَجْمِعِ الْيَأْسَ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ".

وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ أَبِي مُوسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ حِضَارِ بْنِ حرب بن عامر بن غز (١) بْنِ بَكْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُذْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ نَاجِيَةِ بْنِ جُمَاهِرِ بْنِ الْأَشْعَرِ الأشعري، أَسْلَمَ بِبِلَادِهِ وَقَدِمَ مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ عَامَ خَيْبَرَ، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ هَاجَرَ أولاً إلى مكة ثم هاجر إلى اليمن، وَلَيْسَ هَذَا بِالْمَشْهُورِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مُعَاذٍ عَلَى الْيَمَنَ، وَاسْتَنَابَهُ عُمَرُ

عَلَى الْبَصْرَةِ، وَفَتَحَ تُسْتَرَ، وَشَهِدَ خُطْبَةَ عُمَرَ بِالْجَابِيَةِ، وَوَلَّاهُ عُثْمَانُ الْكُوفَةَ، وَكَانَ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا اجتمعا خدع عمر وأبا مُوسَى، وَكَانَ مِنْ قُرَّاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ، وَكَانَ أَحْسَنَ الصَّحَابَةِ صَوْتًا فِي زَمَانِهِ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: مَا سَمِعْتُ صَوْتَ صَنْجٍ وَلَا بِرَبْطٍ وَلَا مِزْمَارٍ أَطْيَبَ مِنْ صَوْتِ أَبِي مُوسَى وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: " لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ " (٢) .

وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لَهُ: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا يَا أَبَا مُوسَى، فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْمَعُونَ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَتَبَ عُمَرُ فِي وَصِيَّتِهِ أَنْ لَا يُقَرَّ لِي عَامِلٌ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إِلَّا أَبَا مُوسَى فَلْيُقَرَّ أَرْبَعَ سِنِينَ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظِمِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ، وَقِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ، وَقِيلَ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِمَكَّةَ لَمَّا اعْتَزَلَ النَّاسَ بَعْدَ التَّحْكِيمِ، وَقِيلَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: الثَّوِيَّةُ عَلَى مِيلَيْنِ مِنِ الْكُوفَةِ.

وَكَانَ قصيراً نحيف الجسم أسبط، أَيْ لَا لِحْيَةَ لَهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا مِنَ الصَّحَابَةِ.

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيُّ وَكَانَ أَحَدَ الْبَكَّائِينَ، وَأَحَدَ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ عُمَرُ إِلَى الْبَصْرَةِ لِيُفَقِّهُوا النَّاسَ، وهو أول


(١) في ابن سعد ٤ / ١٠٥: عنز.
(٢) روى الحديث ابن سعد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأعاده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ومن طريق عروة عن عائشة عن النبي انظر الطبقات ٤ / ١٠٧.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>