للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباده بإرسال الغيث المتدارك الذي أحيى الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ، وَتَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى أَوْطَانِهِمْ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْغُدْرَانِ، وَامْتَلَأَتْ بِرْكَةُ زُرَعَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَطْرَةٌ.

وَجَاءَتْ بِذَلِكَ الْبَشَائِرُ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَذُكِرَ أَنَّ الْمَاءَ عَمَّ الْبِلَادَ كُلَّهَا، وَأَنَّ الثَّلْجَ عَلَى جَبَلِ بَنِي هِلَالٍ كَثِيرٌ، وَأَمَّا الْجِبَالُ الَّتِي حَوْلَ دِمَشْقَ فَعَلَيْهَا ثُلُوجٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَاطْمَأَنَّتِ القلوب وحصل فرج شَدِيدٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ بَقِيَ مِنْ تِشْرِينَ الثَّانِي.

وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْحَنْبَلِيُّ بِالصَّالِحِيَّةِ وَهُوَ خَطِيبُ الْجَامِعِ الْمُظَفَّرِيِّ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الْمَشْهُورِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يُلَقِّنُ الْأَمْوَاتَ بَعْدَ دَفْنِهِمْ، فَلَقَّنَهُ اللَّهُ حُجَّتَهُ وَثَبَّتَهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ.

مَقْتَلُ الْمُظَفَّرِ وتولية الناصر حسن بن ناصر

وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ جَاءَ الْبَرِيدُ مِنْ نَائِبِ غَزَّةَ إِلَى نَائِبِ دِمَشْقَ بِقَتْلِ السُّلْطَانِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِ حَاجِّي بْنِ النَّاصِرِ مُحَمَّدٍ، وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمَرَاءِ فَتَحَيَّزُوا عَنْهُ إِلَى قبة النصر فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ فَقُتِلَ فِي الْحَالِ (١) وَسُحِبَ إِلَى مَقْبَرَةٍ هُنَاكَ، وَيُقَالُ قُطِّعَ قِطَعًا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ آخِرَ النَّهَارِ وَرَدَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ أَمِيرٌ لِلْبَيْعَةِ لِأَخِيهِ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ حسن بن السُّلْطَانِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ قَلَاوُونَ، فَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ في القلعة المنصورة، وزين البلد بكماله ولله الحمد في السعة الرَّاهِنَةِ مَنْ أَمْكَنَ مِنَ النَّاسِ، وَمَا أَصْبَحَ صباح يوم السبت إلا زُيِّنَ الْبَلَدُ بِكَمَالِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى انْتِظَامِ الْكَلِمَةِ، وَاجْتِمَاعِ الْأُلْفَةِ.

وَفِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ الْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ قَدِمَ الْأَمِيرُ فَخْرُ الدِّينِ إِيَاسُ نَائِبُ حَلَبَ مُحْتَاطًا عَلَيْهِ، فَاجْتَمَعَ بِالنَّائِبِ فِي دَارِ السَّعَادَةِ، ثُمَّ أُدخل الْقَلْعَةَ مُضَيَّقًا عَلَيْهِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ قَدْ فُوِّضَ أَمْرُهُ إِلَى نَائِبِ دِمَشْقَ، فَمَهْمَا فَعَلَ فِيهِ فَقَدْ أُمْضِيَ لَهُ، فَأَقَامَ بِالْقَلْعَةِ الْمَنْصُورَةِ نَحْوًا مِنْ جُمُعَةٍ، ثُمَّ أُرْكِبَ عَلَى الْبَرِيدِ لِيُسَارَ بِهِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَلَمْ يدرِ مَا فُعِلَ بِهِ.

وَفِي لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ ثَالِثِ شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ (٢) تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ مُؤَرِّخُ الْإِسْلَامِ وَشَيْخُ الْمُحَدِّثِينَ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الذَّهَبِيُّ بِتُرْبَةِ أُمِّ الصَّالِحِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ يوم الاثنين


(١) وكان ذلك بكرة يوم الأحد ثاني عشر رمضان سنة ٧٤٨ هـ (السلوك ٢ / ٧٤٣ النجوم الزاهرة ١٠ / ١٧٢ وفي بدائع الزهور ١ / ٥١٧: يوم الأحد ثاني عشر رمضان) .

<<  <  ج: ص:  >  >>