للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَدَمَ مَا بَقِيَ مِنْ سُورِهَا مِمَّا كَانَ أُهْمِلَ فِي الدَّوْلَةِ الصَّلَاحِيَّةِ، وَوَجَدَ فِيمَا هَدَمَ كُوزَيْنِ فِيهِمَا أَلْفَا دِينَارٍ فَفَرَّقَهُمَا عَلَى الْأُمَرَاءِ.

وَجَاءَتْهُ الْبِشَارَةُ وَهُوَ هُنَالِكَ بِأَنَّ مَنْكُوتَمُرَ كَسَرَ جَيْشَ أَبْغَا فَفَرِحَ بِذَلِكَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقَاهِرَةِ.

وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بَلَغَ السُّلْطَانَ أَنَّ أَهْلَ عَكَّا ضَرَبُوا رِقَابَ مَنْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ صَبْرًا بِظَاهِرِ عَكَّا، فَأَمَرَ بِمَنْ كأنَّ فِي يَدِهِ مِنْ أَسْرَى أَهْلِ عَكَّا فَضُرِبَتْ رِقَابُهُمْ فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانُوا قريباً من مائتي أَسِيرٍ.

وَفِيهَا كَمَلَ جَامِعُ الْمَنْشِيَّةِ وَأُقِيمَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ.

وَفِيهَا جَرَتْ حُرُوبٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا بَيْنَ أَهْلِ تُونِسَ وَالْفِرِنْجِ، ثُمَّ

تَصَالَحُوا بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى الهدنة (١) ووضع الحرب، بعد ما قتل من الفريقين خلق لَا يُحْصَوْنَ.

وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ ثَامِنِ رَجَبٍ دخل الظاهر دِمَشْقَ وَفِي صُحْبَتِهِ وَلَدُهُ الْمَلِكُ السَّعِيدُ وَابْنُ الْحِنَّا الْوَزِيرُ وَجُمْهُورُ الْجَيْشِ ثُمَّ خَرَجُوا مُتَفَرِّقِينَ وَتَوَاعَدُوا أَنْ يَلْتَقُوا بِالسَّاحِلِ لِيَشُنُّوا الْغَارَةَ عَلَى جبلة واللاذقية ومرقب وعرقا وَمَا هُنَالِكَ مِنَ الْبِلَادِ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا فَتَحُوا صافينا وَالْمِجْدَلَ، ثُمَّ سَارُوا فَنَزَلُوا عَلَى حِصْنِ الْأَكْرَادِ يوم الثلاثاء تاسع عشر (٢) رجب، وله ثلاثة أسوار، فنصبوا المنجنيقات ففتحها قسراً يَوْمَ نِصْفِ شَعْبَانَ، فَدَخَلَ الْجَيْشُ، وَكَانَ الَّذِي يُحَاصِرُهُ وَلَدُ السُّلْطَانِ الْمَلِكُ السَّعِيدُ، فَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ أَهْلَهُ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَجْلَاهُمْ إِلَى طَرَابُلُسَ، وَتَسَلَّمَ الْقَلْعَةَ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ مِنَ الْفَتْحِ، فَأَجْلَى أَهْلَهَا أَيْضًا وَجَعَلَ كَنِيسَةَ الْبَلَدِ جَامِعًا، وَأَقَامَ فِيهِ الْجُمُعَةَ، وَوَلَّى فِيهَا نَائِبًا وَقَاضِيًا وَأَمَرَ بعمارة البلد، وبعث صاحب طرسوس بِمَفَاتِيحِ بَلَدِهِ يَطْلُبُ مِنْهُ الصُّلْحَ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ مُغَلِّ بِلَادِهِ لِلسُّلْطَانِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ بِهَا نَائِبًا فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ صَاحِبُ الْمَرْقَبِ فَصَالَحَهُ أَيْضًا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ وَوَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ.

وَبَلَغَ السُّلْطَانَ وَهُوَ مُخَيِّمٌ عَلَى حِصْنِ الْأَكْرَادِ أَنَّ صَاحِبَ جَزِيرَةِ قبرص قَدْ رَكِبَ بِجَيْشِهِ إِلَى عَكَّا لِيَنْصُرَ أَهْلَهَا خَوْفًا مِنَ السُّلْطَانِ، فَأَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَغْتَنِمَ هذه الفرصة فبعث جيشاً كثيفاً في اثني عشرة شيني ليأخذوا جزيرة قبرص فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهَا عَنْهَا، فَسَارَتِ الْمَرَاكِبُ مُسْرِعَةً فَلَمَّا قَارَبَتِ الْمَدِينَةَ جَاءَتْهَا رِيحٌ قَاصِفٌ فَصَدَمَ بعضها بعضا فانكسر فيها أربعة عشر مركباً بإذن الله فَغَرِقَ خَلْقٌ وَأَسَرَ الْفِرِنْجُ مِنَ الصُّنَّاعِ وَالرِّجَالِ قَرِيبًا مِنْ أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ إِنْسَانٍ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

ثُمَّ سَارَ السُّلْطَانُ فَنَصَبَ الْمَجَانِيقَ عَلَى حِصْنِ عَكَّا فَسَأَلَهُ أَهْلُهَا الْأَمَانَ على أن يخليهم فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَدَخَلَ الْبَلَدَ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ فَتَسَلَّمَهُ، وَكَانَ الْحِصْنُ شَدِيدَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، ثُمَّ سَارَ السُّلْطَانُ نَحْوَ طَرَابُلُسَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ صَاحِبُهَا يَقُولُ: مَا مُرَادُ السُّلْطَانِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ جِئْتُ لِأَرْعَى زُرُوعَكُمْ وَأُخَرِّبَ بِلَادَكُمْ، ثمَّ أَعُودَ إِلَى حِصَارِكُمْ فِي الْعَامِ الْآتِي.

فَأَرْسَلَ يَسْتَعْطِفُهُ ويطلب منه المصالحة ووضع


(١) في الروض الزاهر ص ٣٧٤: تم الصلح على أن يقوم " صاحب تونس بما غرموه، ويمدهم بنجدة.
" وبعد اتمام الصلح رحل الفرنج عن تونس في خامس صفر.
(٢) في الروض: تاسع رجب، وهو خطأ.
وحصن الاكراد: حصن منيع من جند حمص، تولى حمايته في بادئ الأمر جماعة من الأكراد سنة ٤٢٢ فنسب إليهم وكان يسمى قبل ذلك " حصن السفح ".
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>