ثم دخلت سنة إحدى وأربعمائة فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الرَّابِعِ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا خُطِبَ بِالْمَوْصِلِ لِلْحَاكِمِ الْعُبَيْدِيِّ عَنْ أَمْرِ صَاحِبِهَا قرواش بن مقلد أبي منيع، وذلك لقهره رعيته، وقد سرد ابن الجوزي صفة الخطبة بِحُرُوفِهَا.
وَفِي آخِرِ الْخُطْبَةِ صَلَّوْا عَلَى آبَائِهِ المهدي ثم ابنه القائم ثم الْمَنْصُورِ، ثُمَّ ابْنِهِ الْمُعِزِّ، ثُمَّ ابْنِهِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ ابْنِهِ الْحَاكِمِ صَاحِبِ الْوَقْتِ، وَبَالَغُوا فِي الدُّعاء لهم، ولا سيما للحاكم، وكذلك تبعته أعمالها مَنَ الْأَنْبَارِ وَالْمَدَائِنِ وَغَيْرِهَا.
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ تَرَدَّدَتْ مُكَاتَبَاتُهُ وَرُسُلُهُ وَهَدَايَاهُ إِلَى قرواش يستمليه إِلَيْهِ، وَلِيُقْبِلَ بِوَجْهِهِ عَلَيْهِ، حَتَّى فَعَلَ مَا فعل من الخطبة وغيرها، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ الْقَادِرَ بِاللَّهِ الْعَبَّاسِيَّ كَتَبَ يعاتب قرواش عَلَى مَا صَنَعَ، وَنَفَذَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ إِلَى عَمِيدِ الْجُيُوشِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ لِمُحَارَبَةِ قِرْوَاشٍ.
فَلَمَّا بَلَغَ قِرْوَاشًا رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ وَنَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَأَمَرَ بِقَطْعِ الْخُطْبَةِ للحاكم من بلاده، وخطب للقادر عَلَى عَادَتِهِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ زَادَتْ دِجْلَةُ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَاسْتَمَرَّتِ الزيادت إِلَى رَمَضَانَ، وَبَلَغَتْ أَحَدًا وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا وَثُلُثًا (١) ، ودخل إِلَى أَكْثَرِ دُورِ بَغْدَادَ.
وَفِيهَا رَجَعَ الْوَزِيرُ أبو خلف إلى بغداد ولقب فخر الملك بعميد الْجُيُوشِ.
وَفِيهَا عَصَى أَبُو الْفَتْحِ الْحَسَنُ بْنُ جَعْفَرٍ الْعَلَوِيُّ وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ وَتَلَقَّبَ بِالرَّاشِدِ بالله.
وَلَمْ يَحُجَّ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ والخطبة للحاكم.
وممن توفي فيها من الأعيان أبو مسعود صاحب الأطراف.
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ، مُصَنِّفُ كِتَابِ الْأَطْرَافِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، رَحَلَ إِلَى بِلَادٍ شَتَّى كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ والكوفة وواسط وأصبهان وخراسان، وكان من الحفاظ الصادقين، والأمناء الضَّابِطِينَ، وَلَمْ يَرْوِ إِلَّا الْيَسِيرَ، رَوَى عَنْهُ أبو القاسم وأبو ذر الهروي، وحمزة السهمي، وغيرهم.
توفي بِبَغْدَادَ فِي رَجَبٍ وَأَوْصَى إِلَى أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ جَامِعِ المنصور قريباً من السكك.
وقد ترجمه ابن عساكر وأثنى عليه.
عميد الجيوش الوزير الحسن بن أبي جعفر أستاذ هرمز، ولد سنة خمسين وثلثمائة، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ حُجَّابِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَوَلَّاهُ بهاء الدولة وزارته سنة ثنتين وتسعين، والشرور كثيرة منتشرة، فَمَهَّدَ الْبِلَادَ وَأَخَافَ الْعَيَّارِينَ وَاسْتَقَامَتْ بِهِ الْأُمُورُ، وَأَمَرَ بَعْضَ غِلْمَانِهِ أَنْ يَحْمِلَ صِينِيَّةً فِيهَا دراهم مكشوفة من أول بغداد
(١) في الكامل ٩ / ٢٢٦: إحدى وعشرين ذراعاً (*) .