للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معصومون. ثم قد قال الله تعالى فيما أنزل على رسوله محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء منكرا على اليهود في قصدهم الفاسد إذ عدلوا عما يعتقدون صحته عندهم وأنهم مأمورون به حتما لي التحاكم إلى رسول الله وهم يعاندون ما جاء به لكن لما كان في زعمهم ما قد يوافقهم على ما ابتدعوه من الجلد والتحميم (١) المصادم لما أمر الله به حتما وقالوا: إن حكم لكم بالجلد والتحميم فاقبلوه وتكونون قد اعتذرتم بحكم نبي لكم عند الله يوم القيامة، وإن لم يحكم لكم بهذا بل بالرجم فاحذروا أن تقبلوا منه، فأنكر الله تعالى عليهم في هذا القصد الفاسد الذي إنما حملهم عليه الغرض الفاسد وموافقة الهوى لا الدين الحق فقال: (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله) الآية [المائدة: ٤٣ - ٤٤] ولهذا حكم بالرجم قال: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، وسألهم ما حملهم على هذا ولم تركوا أمر الله الذي بأيديهم؟ فقالوا: إن الزنا قد كثر في أشرافنا، ولم يمكنا أن نقيمه عليهم، وكنا نرجم من زنى من ضعفائنا. فقلنا تعالوا إلى أمر نصف نفعله مع الشريف والوضيع فاصطلحنا على الجلد والتحميم فهذا من جملة تحريفهم وتبديلهم وتغييرهم وتأويلهم الباطل وهذا إنما فعلوه في المعاني مع بقاء لفظ الرجم في كتابهم كما دل عليه الحديث المتفق عليه فلهذا قال من قال: هذا من الناس إنه لم يقع تبديلهم إلا في المعاني وإن الألفاظ باقية وهي حجة عليهم إذ لو أقاموا ما في كتابهم جميعه لقادهم ذلك إلى اتباع الحق ومتابعة الرسول محمد كما قال الله تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم) [الأعراف: ١٥٧] الآية. وقال تعالى: (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة) الآية [المائدة: ٦٦] وقال تعالى: (قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) الآية [المائدة: ٦٨] وهذا المذهب وهو القول بأن التبديل إنما وقع في معانيها لا في ألفاظها حكاه البخاري عن ابن عباس في آخر كتابه الصحيح وقرر عليه ولم يرده. وحكاه العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره عن أكثر المتكلمين.

[ليس للجنب لمس التوراة]

وذهب فقهاء الحنفية إلى أنه لا يجوز للجنب مس التوراة وهو محدث، وحكاه الحناطي في فتاويه عن بعض أصحاب الشافعي وهو غريب جدا. وذهب آخرون من العلماء إلى التوسط في هذين القولين منهم شيخنا الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية فقال: أما من ذهب إلى


(١) التحميم: تسويد الوجوه بالحمم وهو الفحم.

<<  <  ج: ص:  >  >>