للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برهة من الزمان، ثم شرعوا في تحريفها وتبديلها وتغييرها وتأويلها وإبداء ما ليس منها، كما قال الله تعالى: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم ك بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) [آل عمران: ٧٨] فأخبر تعالى أنهم يفسرونها ويتأولونها ويضعونها على غير مواضعها وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء وهو أنهم يتصرفون في معانيها ويحملونها على غير المراد، كما بدلوا حكم الرجم بالجلد، والتحميم مع بقاء لفظ الرجم فيها، وكما أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، مع أنهم مأمورون بإقامة الحد والقطع على الشريف والوضيع. فأما تبديل ألفاظها فقال قائلون: بأنها جميعها بدلت، وقال آخرون: لم تبدل واحتجوا بقوله تعالى: (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) [المائدة: ٤٣] وقوله: (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات) الآية [الأعراف: ١٥٧] وبقوله: (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) [آل عمران: ٩٣] وبقصة الرجم فإنهم كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر وفي صحيح مسلم عن البراء بن عازب وجابر بن عبد الله وفي السنن عن أبي هريرة وغيره لما تحاكوا إلى رسول الله في قصة اليهودي واليهودية اللذين زنيا فقال لهم: ما تجدون في التوراة (١) في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون فأمرهم رسول الله بإحضار التوراة فلما جاؤوا بها وجعلوا يقرأونها ويكتمون آية الرجم التي فيها ووضع عبد الله بن صور بأيده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له رسول الله : " ارفع يدك يا أعور، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فأمر رسول الله برجمهما وقال: " اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه "، وعند أبي داود: أنهم لما جاؤوا بها نزع الوسادة من تحته فوضعها تحتها وقال آمنت بك وبمن أنزلك، وذكر بعضهم أنه قام لها ولم أقف على إسناده والله أعلم (٢). وهذا كله يشكل على ما يقوله كثير من المتكلمين وغيرهم: أن التوراة انقطع تواترها في زمن بخت نصر ولم يبق من يحفظها إلا العزيز، ثم العزير إن كان نبيا فهو معصوم والتواتر إلى المعصوم يكفي، اللهم إلا أن يقال إنها لم تتواتر إليه لكن بعده زكريا ويحيى وعيسى وكلهم كانوا متمسكين بالتوراة فلو لم تكن صحيحة معمولا بها لما اعتمدوا عليها وهم أنبياء


(١) ما تجدون في التوراة: قال العلماء: هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم.
(٢) الحديث أخرجوه من عدة طرق وبروايات مختلفة، صحيح البخاري توحيد (٥١) جنائز (٦٠) مناقب ٢٦ تفسير آل عمران/ ٦ اعتصام ١٦ ومسلم في كتاب الحدود: ١٣ - ٢٦ - ٢٧ - ٢٨ والترمذي في سننه حدود (١٠) وابن ماجة في سننه حدود (١٠) وأبو داود في سننه حدود (٢٥) والدارمي في سننه: حدود (١٥) ومالك في الموطأ حدود (١) وأحمد في مسنده ج ٢/ ٧، ٦٢، ٦٣، ٧٦، ١٢٦، ٢٨٠ - ٤/ ٢٥٥، ٥/ ٩١، ٩٢، ٩٤، ٩٥، ٩٦، ١٠٤، ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>