للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والملح، وكان صبورا متقللا من الدنيا، على طريقة السلف، جاءه منشور بقضاء همدان فقال: أنا منتظر منشورا من الله ﷿، على يدي ملك الموت بالقدوم عليه، والله لجلوس ساعة في هذه المسلة على راحة القلب أحب إلي من ملك العراقين، وتعليم مسألة لطالب أحب إلى مما على الأرض من شئ، والله لا أفلح قلب يعلق بالدنيا وأهلها، وإنما العلم دليل، فمن لم يدله علمه على الزهد في الدنيا وأهلها لم يحصل على طائل من العلم، ولو علم ما علم، فإنما ذلك ظاهر من العلم، والعلم النافع وراء ذلك، والله لو قطعت يدي ورجلي وقلعت عيني أحب إلى من ولاية فيها انقطاع عن الله والدار الآخرة، وما هو سبب فوز المتقين، وسعادة المؤمنين. توفي في ذي القعدة من هذه السنة عن ثلاث (١) وتسعين سنة آمين.

[أبو القاسم ابن إمام الحرمين]

قتله بعض الباطنية بنيسابور ورحم أباه.

[ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة]

في صفر منها دخل السلطان بركيارق إلى بغداد، ونزل بدار الملك، وأعيدت له الخطبة، وقطعت خطبة أخيه محمد، وبعث إليه الخليفة هدية هائلة، وفرح به العوام والنساء، ولكنه في ضيق من أمر أخيه محمد، لاقبال الدولة عليه، واجتماعهم إليه، وقلة ما معه من الأموال، ومطالبة الجند له بأرزاقهم، فعزم على مصادرة الوزير ابن جهير، فالتجأ إلى الخليفة فمنعه من ذلك، ثم اتفق الحال على المصالحة عنه بمائة ألف وستين ألف دينار، ثم سار فالتقى هو وأخوه محمد بمكان قريب من همدان (٢) فهزمه أخوه محمد ونجا هو بنفسه في خمسين فارسا، وقتل في هذه الوقعة سعد الدولة جوهر آيين الخادم، وكان قديم الهجرة في الدولة، وقد ولي شحنة بغداد، وكان حليما حسن أسيرة، لم يتعمد ظلم أحد ولم ير خادم ما رأى، من الحشمة والحرمة وكثرة الخدم، وقد كان يكثر الصلاة بالليل، ولا يجلس إلا على وضوء، ولم يمرض مدة حياته ولم يصدع قط، ولما جرى ما جرى في هذه الوقعة ضعف أمر السلطان بركيارق، ثم تراجع إليه جيشه وانضاف إليه الأمير داود (٣) في عشرين ألفا، فالتقى هو وأخوه مع أخيه سنجر فهزمهم سنجر أيضا وهرب في شرذمة قليلة، وأسر الأمير داود (٣) فقتله الأمير برغش (٤) أحد أمراء سنجر، فضعف بركيارق وتفرقت عنه رجاله، وقطعت


(١) في شذرات الذهب ٣/ ٣٩٨: إحدى.
(٢) في الكامل ١٠/ ٢٩٤: باسبيذروذ، ومعناه النهر الأبيض، وهو على عدة فراسخ من همذان وفي مختصر أخبار البشر: على عشرة فراسخ (انظر العبر لابن خلدون ٣/ ٤٨٣).
(٣) في الكامل وتاريخ أبي الفداء: داذ (داذا).
(٤) في الكامل: بزغش.

<<  <  ج: ص:  >  >>