للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْسَوْا نَادَوْا أَلَا قَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الْأَحَدِ تَحَنَّطُوا وَتَأَهَّبُوا وَقَعَدُوا ينتظرون مَاذَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ والنِّكال وَالنِّقْمَةِ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يُفْعَلُ بِهِمْ وَلَا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَلَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ جَاءَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَرَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَفَاضَتِ الْأَرْوَاحُ وَزَهَقَتِ النُّفُوسُ وَسَكَنَتِ الْحَرَكَاتُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَحُقَّتِ الْحَقَائِقُ فأصبحوا في دارهم جاثمين جُثَثًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا وَلَا حِرَاكَ بِهَا.

قَالُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا جَارِيَةٌ كانت مقعدة واسمها كلبة - ابنت السلق - ويقال لها الذريعة وَكَانَتْ شَدِيدَةَ الْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ لِصَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا رَأَتِ الْعَذَابَ أُطْلِقَتْ رِجْلَاهَا فَقَامَتْ تَسْعَى كأسرع شئ فَأَتَتْ حَيًّا مِنَ الْعَرَبِ فَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا رَأَتْ وَمَا حَلَّ بِقَوْمِهَا وَاسْتَسْقَتْهُمْ مَاءً فَلَمَّا شَرِبَتْ مَاتَتْ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أَيْ لَمْ يُقِيمُوا فِيهَا فِي سَعَةٍ وَرِزْقٍ وَغَنَاءٍ (أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ) [هود: ٦٠] أَيْ نَادَى عَلَيْهِمْ لِسَانُ الْقَدَرِ بِهَذَا.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمَ،

عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا مرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم بالحِجر قَالَ: " لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ فَقَدْ سَأَلَهَا قَوْمُ صَالِحٍ فَكَانَتْ - يَعْنِي النَّاقَةَ - تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا) .

وَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا، فَعَقَرُوهَا فَأَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ أَهْمَدَ اللَّهُ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّماء مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ.

فَقَالُوا مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " هُوَ أَبُو رِغَالٍ.

فلمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ " (١) .

وَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شرط مسلم وليس هو في شئ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا: قَالَ مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرِ أَبِي رِغَالٍ فَقَالَ: " أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: " هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، رَجُلٍ مِنْ ثَمُودَ، كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ [من] عَذَابَ اللَّهِ.

فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قومه فدفن ههنا، وَدُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ.

فَنَزَلَ الْقَوْمُ فَابْتَدَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ فَبَحَثُوا عَنْهُ فَاسْتَخْرَجُوا الْغُصْنَ " * قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَبُو رِغَالٍ أَبُو ثَقِيفٍ * هَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ * وَقَدْ جَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلًا كما ذكره محمد بن اسحق فِي السِّيرَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أبي بجير، [قَالَ] سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، [يَقُولُ] سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ: " إِنَّ هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ.

وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ ; وَكَانَ مِنْ ثَمُودَ ; وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ


(١) مسند أحمد ج ٣ / ٣٩٦ وتفرد به.
وأبو الزبير هو محمد بن مسلم، صدوق مشهور، اعتمده مسلم وروى له البخاري متابعة.
قال ابن حجر: صدوق إلا أنه يدلس.
تقريب التقريب (٢ / ٢٠٧ / ٦٩٧) المغني في الضعفاء للذهبي / ٢ - ٦٣٢) .
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>