للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلْبِ أَرْسَلَانَ.

وَفِيهَا أَرْسَلَ وَلَدَهُ مَلِكْشَاهْ وَوَزِيرَهُ نِظَامَ الْمُلْكِ هَذَا فِي جُنُودٍ عَظِيمَةٍ إِلَى بِلَادِ الْكُرَجِ (١) ، فَفَتَحُوا حُصُونًا كَثِيرَةً، وَغَنِمُوا أَمْوَالًا جزيلة، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِنَصْرِهِمْ، وَكَتَبَ كِتَابَ وَلَدِهِ عَلَى ابْنَةِ الْخَانِ الْأَعْظَمِ صَاحِبِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وزفت إليه، وزوج ابنه الآخر (٢) بابنة صاحب غزنة، واجتمع شمل الملكين السلجوقي والمحمودي وفيها أذن ألب أرسلان لابنة الخليفة في الرُّجوع إلى أبيها، وَأَرْسَلَ مَعَهَا بَعْضَ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ فَدَخَلَتْ بَغْدَادَ في تجمل عظيم، وخرج الناس لينظروا إليها، فدخلت ليلاً، فَفَرِحَ الْخَلِيفَةُ وَأَهْلُهَا بِذَلِكَ، وَأَمَرَ الْخَلِيفَةُ بِالدُّعَاءِ لألب أَرْسَلَانَ عَلَى الْمَنَابِرِ فِي الْخُطَبِ، فَقِيلَ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ وَأَصْلِحِ السُّلْطَانَ الْمُعَظَّمَ، عَضُدَ الدَّوْلَةِ، وَتَاجَ الْمِلَّةِ، أَلْبَ أَرْسَلَانَ أَبَا شُجَاعٍ مُحَمَّدَ بن داود، ثم أرسل الخليفة إلى الملك بالخلع والتقليد، مع الشريف نقيب النقباء، طراد بن محمد، وأبي محمد التميمي،

وموفق الخادم واستقر أمر السلطان ألب أرسلان على الْعِرَاقِ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ شاع في بغداد أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْأَكْرَادِ خَرَجُوا يَتَصَيَّدُونَ فَرَأَوْا في البرية خياماً سوداً، سمعوا بها لَطْمًا شَدِيدًا، وَعَوِيلًا كَثِيرًا، وَقَائِلًا يَقُولُ: قَدْ مَاتَ سَيِّدُوكُ مَلِكُ الْجِنِّ، وَأَيُّ بَلَدٍ لَمْ يُلْطَمْ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُمْ لَهُ مَأْتَمٌ فيه.

قَالَ: فَخَرَجَ النِّسَاءُ الْعَوَاهِرُ مِنْ حَرِيمِ بَغْدَادَ إِلَى الْمَقَابِرِ يَلْطِمْنَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيَخْرِقْنَ ثِيَابَهُنَّ وينشرن شعورهن، وخرج رجال من الفساق يفعلون ذلك، وفعل هذا بواسط وخوزستان وغيرها من البلاد، قال: وهذا مِنَ الْحُمْقِ لَمْ يُنْقَلْ مِثْلُهُ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَانِي عَشَرَ شَعْبَانَ هَجَمَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ، الْمُدَرِّسِ لِلْمُعْتَزِلَةِ فَسَبُّوهُ وَشَتَمُوهُ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْجَامِعِ، وَتَدْرِيسِهِ للناس بهذا الْمَذْهَبِ، وَأَهَانُوهُ وَجَرُّوهُ، وَلُعِنَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي جَامِعِ المنصور، وجلس أبو سعيد بن أبي عمامة وجعل يلعن المعتزلة.

وفي شوال ورد الخبر أن السلطان غزا بلداً عظيماً فيه ستمائة ألف دنليز، وَأَلْفُ بِيعَةٍ وَدَيْرٍ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَسَرَ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ.

وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ حدث بالناس وباء شديد ببغداد وغيرها من بلاد العراق.

وغلت أسعار الادوية، وقل التمر هندي، وَزَادَ الْحَرُّ فِي تَشَارِينَ، وَفَسَدَ الْهَوَاءُ، وَفِي هَذَا الشَّهْرِ خُلِعَ عَلَى أَبِي الْغَنَائِمِ الْمَعْمَرِ بن محمد بن عبيد الله العلوي بنقابة الطالبيين، وولاية الحج وَالْمَظَالِمِ، وَلُقِّبَ بِالطَّاهِرِ ذِي الْمَنَاقِبِ، وَقُرِئَ تَقْلِيدُهُ في الموكب.

وحج أهل العراق فِي هَذِهِ السَّنَةِ.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الأعيان ...


(١) من الكامل ١٠ / ٣٨ وفي الاصل والعبر ٣ / ٤٦٩: الكرخ.
(٢) ملكشاه تزوج بابنة خاقان، وارسلانشاه بابنة صاحب غزنة (الكامل - العبر) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>