للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ، لِأَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ وَبَلَدٍ حَرَامٍ.

وَتَلَتْ قَوْلَهُ تَعَالَى * (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بتغاء مرضات اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجرا عظيما) * [النِّسَاءِ: ١١٤] فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهَا فَجَاءَا إِلَى طَلْحَةَ فَقَالَا لَهُ: مَا أَقْدَمَكَ؟ فَقَالَ: الطَّلَبُ بِدَمِ عثمان، فقالا: ما بَايَعْتَ عَلِيًّا؟ قَالَ: بَلَى وَالسَّيْفُ عَلَى عُنُقِي، وَلَا أَسْتَقْبِلُهُ إِنْ هُوَ لَمْ يُخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ.

فَذَهَبَا إِلَى الزُّبَيْرِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَجَعَ عِمْرَانُ وَأَبُو الْأَسْوَدِ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ: يا بن الأحنف (١) قَدْ أَتَيْتَ فَانْفِرِ * وَطَاعِنِ الْقَوْمَ وَجَالِدْ وَاصْبِرِ * وَاخْرُجْ لَهُمْ مُسْتَلْثِمًا وَشَمِّرِ * فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، دَارَتْ رَحَا الْإِسْلَامُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَانْظُرُوا بِأَيِّ زَيَفَانٍ نزيف، فَقَالَ عِمْرَانُ إِي وَاللَّهِ لَتَعْرُكَنَّكُمْ عَرْكًا طَوِيلًا، يُشِيرُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا " تَدُورُ رَحَا الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ " الْحَدِيثَ كَمَا تَقَدَّمَ، ثمَّ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَشِرْ عَلَيَّ، فَقَالَ اعْتَزِلْ فَإِنِّي قَاعِدٌ فِي مَنْزِلِي، أَوْ قَالَ قاعد

على بعيري، فذهب فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلْ أَمْنَعُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَنَادَى فِي النَّاسِ يَأْمُرُهُمْ بِلُبْسِ السِّلَاحِ وَالِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسْجِدِ، فَاجْتَمَعُوا فَأَمَرَهُمْ بِالتَّجَهُّزِ، فَقَامَ رَجُلٌ وَعُثْمَانُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إن كان هؤلاء القوم جاؤوا خائفين فقد جاؤوا من بلد يأمن فيه الطَّيْرُ، وَإِنْ كَانُوا جَاءُوا يَطْلُبُونَ بِدَمِ عُثْمَانَ فَمَا نَحْنُ بِقَتَلَتِهِ، فَأَطِيعُونِي وَرُدُّوهُمْ مِنْ حَيْثُ جاؤوا، فَقَامَ الْأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ السَّعْدِيُّ فَقَالَ: إِنَّمَا جاؤوا يستعينون بنا على قتلة عثمان ومنا وَمِنْ غَيْرِنَا، فَحَصَبَهُ النَّاسُ، فَعَلِمَ عُثْمَانُ بْنُ حنيف أن لقتلة عثمان بالبصرة أنصاراً، فكره ذَلِكَ، وَقَدِمَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَنْ مَعَهَا مِنَ النَّاسِ، فَنَزَلُوا الْمِرْبَدَ مِنْ أَعْلَاهُ قَرِيبًا مِنَ البصرة، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون مَعَهَا، وَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ بِالْجَيْشِ فَاجْتَمَعُوا بِالْمِرْبَدِ، فَتَكَلَّمَ طَلْحَةُ - وَكَانَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ - فَنَدَبَ إِلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِ عُثْمَانَ، وَالطَّلَبِ بِدَمِهِ، وَتَابَعَهُ الزُّبَيْرُ فَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ مَقَالَتِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِمَا نَاسٌ مِنْ جَيْشِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، وَتَكَلَّمَتْ أُمُّ المؤمنين فحرضت وحثت على القتال، فتناور طوائف من أطراف الجيش فَتَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ تَحَاجَزَ النَّاسُ وَرَجَعَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلَى حَوْزَتِهِ، وَقَدْ صَارَتْ طَائِفَةٌ مِنْ جَيْشِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ إِلَى جَيْشِ عَائِشَةَ، فكثروا، وجاء حارثة (٢) بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِيُّ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! وَاللَّهِ لَقَتْلُ عُثْمَانَ أَهْوَنُ مِنْ خُرُوجِكِ مِنْ بيتك على هذا الجمل عرضة السلاح، إن كنت أتيتينا طَائِعَةً فَارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ إِلَى مَنْزِلِكِ، وإن كنت أتيتينا مُكْرَهَةً فَاسْتَعِينِي بِالنَّاسِ فِي الرُّجُوعِ وَأَقْبَلَ حُكَيْمُ بْنُ جَبَلَةَ - وَكَانَ عَلَى خَيْلِ عُثْمَانَ بْنِ


(١) في الطبري والكامل: يا بن حُنيف.
(٢) في الطبري والكامل: جارية.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>