للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ يَجْزِلُ عَطَاءَ مَنْ يُعْرِبُ كَلَامَهُ وَيَنْقُصُ عَطَاءَ مَنْ يَلْحَنُ فِيهِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي زَمَانِهِ إِلَى تَعَلُّمِ الْعَرَبِيَّةِ.

قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ يوماً إلى رجل: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ، فقال: تجدها في

جائزتك، فنقصت جائزته مِائَةَ دِينَارٍ.

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: ارْفَعْ إِلَيَّ حَاجَتَكَ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ".

وَلَسْتُ أَسْأَلُكَ شَيْئًا وَلَا أرد رزقاً رزقنيه الله عزوجل منك.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سُوِيدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ بِأَلْفِ دِينَارٍ إِلَى ابن عمر قال: فجئت فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ فَقَالَ: أَيْنَ الْمَالُ؟ فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُهُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أُصْبِحَ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا يَبِيتُ ابْنُ عُمَرَ اللَّيْلَةَ وَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ، قَالَ: فَدَفَعَ إِلَيَّ الْكِتَابَ حَتَّى جِئْتُهُ بِهَا فَفَرَّقَهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَمِنْ كَلَامِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَجَبًا لِمُؤْمِنٍ يُؤْمِنُ وَيُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ وَيُخْلِفُ عَلَيْهِ، كَيْفَ يَحْبِسُ مالاً عن عظيم أجر وحسن ثناء.

ولما حضرته الوفاة أحضر له مال يحصيه وإذا هو ثلاثمائة مد مِنْ ذَهَبَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ بَعْرٌ خائل بِنَجْدٍ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَلَوَدِدْتُ أَنْ أَكُونَ هَذَا الْمَاءَ الجاري، أو نباتة (١) بأرض الحجاز، وقال لهم: ائْتُونِي بِكَفَنِي الَّذِي تُكَفِّنُونِي فِيهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أُفٍّ لَكَ مَا أَقْصَرَ طَوِيلَكَ، وَأَقَلَّ كَثِيرَكَ.

قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عن الليث بن سعد قال: كَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ (٢) ، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ يَعْقُوبَ بن سفيان وَالصَّوَابُ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ، فَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ عبد الملك أخيه، ومات عبد الملك بعده بسنة سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ.

وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ كَرِيمًا جَوَادًا مُمَدَّحًا، وَهُوَ وَالِدُ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدِ اكْتَسَى عُمْرُ أَخْلَاقَ أَبِيهِ وَزَادَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ.

وَكَانَ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْأَوْلَادِ غَيْرُ عُمْرَ، عَاصِمٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَمُحَمَّدٌ وَالْأَصْبَغُ - مَاتَ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ فَحَزِنَ عَلَيْهِ حُزْنًا كَثِيرًا وَمَرِضَ بَعْدَهُ وَمَاتَ.

وَسُهَيْلٌ وَكَانَ له عدة بنات، أم محمد وسهيل وَأُمُّ عُثْمَانَ وَأُمُّ الْحَكَمِ وَأُمُّ الْبَنِينَ وَهُنَّ مِنْ أُمَّهَاتٍ شَتَّى، وَلَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا (٣) عَلَى مَرْحَلَةٍ

مِنْ مِصْرَ وَحُمِلَ إِلَى مِصْرَ فِي النِّيلِ ودفن بها، وقد ترك عبد العزيز من الأموال والأثاث والدواب من


(١) في ولاة مصر ٧٦: كناسة.
(٢) وهي رواية الكندي أيضا، وفي ابن سعد والطبري فكالاصل سنة ٨٥ هـ.
(٣) وهي مدينة حلوان فحمل في الليل منها حلوان إلى الفسطاط، فدفن بها (الكندي - الاعلام للزركلي) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>