للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وملخَّصها أنَّه مَا مِنْ نَاحِيَةٍ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إِلَّا وَحَصَلَ فِي أَهْلِهَا ردَّة لِبَعْضِ النَّاس، فَبَعَثَ الصِّديق إِلَيْهِمْ جُيُوشًا وَأُمَرَاءَ يَكُونُونَ عَوْنًا لِمَنْ فِي تِلْكَ النَّاحية مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَتَوَاجَهُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُؤْمِنُونَ فِي مَوْطِنٍ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ إِلَّا غَلَبَ جَيْشُ الصِّديق لِمَنْ هناك مِنَ المرتدِّين، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَغَنِمُوا مَغَانِمَ كَثِيرَةً، فيتقوُّون بِذَلِكَ عَلَى مَنْ هُنَالِكَ، وَيَبْعَثُونَ بِأَخْمَاسِ مَا يَغْنَمُونَ إِلَى الصِّديق فَيُنْفِقُهُ فِي النَّاس فَيَحْصُلُ لَهُمْ قوَّة أَيْضًا ويستعدُّون بِهِ عَلَى قِتَالِ مَنْ يُرِيدُونَ قِتَالَهُمْ مِنَ الْأَعَاجِمِ والرُّوم، عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ * وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ إِلَّا أَهْلُ طَاعَةٍ لله ولرسوله، وأهل ذمَّة مِنَ الصِّديق، كَأَهْلِ نَجْرَانَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وعامَّة مَا وَقَعَ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوبِ كَانَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ إِحْدَى عشرة وأوائل سنة اثنتي عَشْرَةَ * وَلْنَذْكُرْ بَعْدَ إِيرَادِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ مَنْ توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانِ، وَفِيهَا رَجَعَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ من اليمن.

وفيها استبقى (١) ، أَبُو بَكْرٍ الصِّديق عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنهما.

ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ وَذَكَرْنَا مَعَهُمْ مَنْ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ لأنَّها كَانَتْ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ أنَّها فِي رَبِيعٍ سَنَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ * توفِّي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ فِي الدُّنيا وَالْآخِرَةِ، وَذَلِكَ فِي رَبِيعِهَا الأوَّل يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا قدَّمنا بَيَانَهُ، وَبَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهَرٍ عَلَى الأَشْهَر، توفِّيت ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وتكنَّى بِأُمِّ أَبِيهَا، وَقَدْ كَانَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ عَهِدَ إِلَيْهَا أنَّها أوَّل أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ، وَقَالَ لَهَا مَعَ ذَلِكَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجنَّة؟ وَكَانَتْ أَصْغَرَ بَنَاتِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ سِوَاهَا، فَلِهَذَا عَظُمَ أَجْرُهَا لأنَّها أُصِيبَتْ بِهِ عليه السلام وَيُقَالُ إنَّها كَانَتْ تَوْأَمًا لِعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَلَيْسَ له عليه السلام نسل إلا من جهتها، قال الزبير بن بكَّار: وقد روي أنه عليه السلام لَيْلَةَ زِفَافِ عَلِيٍّ عَلَى فَاطِمَةَ توضَّأ وصبَّ عَلَيْهِ وَعَلَى فَاطِمَةَ

وَدَعَا لَهُمَا أَنْ يُبَارَكَ فِي نَسْلِهِمَا، وَقَدْ تَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ وَقِيلَ بَعْدَ أُحُدٍ، وَقِيلَ بَعْدَ تَزْوِيجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم عَائِشَةَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ، وَبَنَى بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ بسبعة أشهر ونصف، فأصدقها درعه الحطمية وقيمتها أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ عُمُرُهَا إِذْ ذَاكَ خَمْسَ عَشْرَةَ (٢) سَنَةٍ وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ عَلِيٌّ أسنَّ مِنْهَا بستِّ سِنِينَ.

وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ فِي تَزْوِيجِ عَلِيٍّ بِفَاطِمَةَ لَمْ نَذْكُرْهَا رَغْبَةً عَنْهَا * فَوَلَدَتْ لَهُ حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَمُحَسِّنًا وأمَّ كُلْثُومٍ - الَّتِي تزوَّج بِهَا عُمَرُ بْنُ الخطَّاب بَعْدَ ذَلِكَ - وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عفَّان، أنَّا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ


(١) في الطبري: استقضى، فكان عمر على القضاء أيام خلافته كلها.
(٢) قال الواقدي: ثماني عشرة سنة (طبقات ابن سعد ٨ / ٢٢) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>