للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فغلبه على خراذيله] (١)، عجزت النساء أن يلدن مثل خالد بن الوليد. ثم جرت أمور طويلة لخالد في أماكن متعددة يمل سماعها، وهو مع ذلك لا يكل ولا يمل ولا يهن ولا يحزن، بل كلما له في قوة وصرامة وشدة وشهامة، ومثل هذا إنما خلقه الله عزا للاسلام وأهله، وذلا للكفر وشتات شمله.

فصل

ثم سار خالد فنزل الخورنق والسدير بالنجف وبث سراياه هاهنا وهاهنا، يحاصرون الحصون من الحيرة ويستنزلون أهلها قسرا وقهرا، وصلحا ويسرا، وكان في جملة ما نزل بالصلح قوم من نصارى العرب فيهم ابن بقيلة المتقدم ذكره، وكتب لأهل الحيرة كتاب أمان، فكان الذي راوده عليه عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة (٢) ووجد خالد معه كيسا، فقال: ما في هذا؟ - وفتحه خالد فوجد فيه شيئا -، فقال ابن بقيلة:: هو سم ساعة، فقال: ولم استصحبته معك؟ فقال حتى إذا رأيت مكروها في قومي أكلته فالموت أحب إلي من ذلك، فأخذه خالد في يده وقال: إنه لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها، ثم قال: بسم الله خير الأسماء، رب الأرض والسماء، الذي ليس يضر مع اسمه داء، الرحمن الرحيم، قال: وأهوى إليه الامراء ليمنعوه منه فبادرهم فابتلعه، فلما رأى ذلك ابن بقيلة قال: والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد، ثم التفت إلى أهل الحيرة فقال: لم أر كاليوم أوضح أقبالا من هذا، ثم دعاهم وسألوا خالدا الصلح فصالحهم وكتب لهم كتابا بالصلح (٣)، وأخذ منهم أربعمائة ألف درهم عاجلة، ولم يكن صالحهم حتى سلموا كرامة بنت عبد المسيح إلى رجل من الصحابة يقال له شويل (٤)، وذلك أنه لما ذكر رسول الله قصور الحيرة كان شرفها أنياب الكلاب فقال له: يا رسول الله هب لي ابنة بقيلة، فقال: هي لك، فلما فتحت ادعاها شويل وشهد له اثنين من الصحابة، فامتنعوا من تسليمها إليه وقالوا: ما تريد إلى امرأة ابنة ثمانين سنة؟ فقالت لقومها: ادفعوني إليه فإني سأفتدي


(١) من الطبري.
(٢) في الطبري: عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن الحارث وهو ابن بقيلة وإنما سمي بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا يا حار ما أنت إلا بقيلة خضراء.
(٣) نقل الطبري نص الكتاب ٤/ ١٤ وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عاهد عليه خالد بن الوليد عديا وعمرو ابني عدي وعمرو بن عبد المسيح وإياس بن قبيصة وحيرى بن أكال - وقال عبيد الله بن حيرى - وهم نقباء أهل الحيرة ورضي بذلك أهل الحيرة وأمروهم به عاهدهم على تسعين ومائة ألف درهم تقبل في كل سنة جزاء عن أيديهم في الدنيا رهبانهم وقسيسيهم إلا من كان منهم على غير ذي يد حبيسا عن الدنيا تاركا لها وسائحا تاركا للدنيا وعلى المنعة فإن لم يمنعهم فلا شئ عليهم حتى يمنعهم وإن غدروا بفعل أو بقول بالذمة منهم بريئة. وكتب في شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة.
(٤) في فتوح البلدان ٢/ ٢٩٨ هو: خريم بن أوس بن حارثة بن لام الطائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>