للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوزارة إلى ابن أخيه صلاح الدين، فشرع نور الدين فِي إِعْمَالِ الْحِيلَةِ فِي إِزَالَةِ ذَلِكَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ، وَلَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا أنَّه بَلَغَهُ أنَّ صَلَاحَ الدِّينِ اسْتَحْوَذَ عَلَى خَزَائِنِ العاضد كما سيأتي بيانه إن شاء الله، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَرْسَلَ أَسَدُ الدِّينِ إِلَى الْقَصْرِ يَطْلُبُ كَاتِبًا فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ الْقَاضِيَ الْفَاضِلَ رَجَاءَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ إِذَا قَالَ وَأَفَاضَ فِيمَا كَانُوا يُؤَمِّلُونَ، وَبَعَثَ أَسَدُ الدِّينِ الْعُمَّالَ فِي الْأَعْمَالِ وَأَقْطَعَ الْإِقْطَاعَاتِ، وَوَلَّى الْوِلَايَاتِ، وَفَرِحَ بِنَفْسِهِ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ، فَأَدْرَكَهُ حِمَامُهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَسَدُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَشَارَ الْأُمَرَاءُ الشَّامِيُّونَ عَلَى الْعَاضِدِ بِتَوْلِيَةِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ الوزارة بعد عمه، فولاه العاضد الْوِزَارَةَ وَخَلَعَ عَلَيْهِ خِلْعَةً سَنِيَّةً، وَلَقَّبَهُ الْمَلِكَ النَّاصِرَ.

صِفَةُ الْخِلْعَةِ الَّتِي لَبِسَهَا صَلَاحُ الدِّينِ مما ذكره أَبُو شَامَةَ فِي الرَّوْضَتَيْنِ عِمَامَةٌ بَيْضَاءُ تِنِّيسِيٌّ بِطَرَفِ ذَهَبٍ، وَثَوْبٌ دَبِيقِيٌّ بِطِرَازِ ذَهَبٍ وَجُبَّةٌ بِطِرَازِ ذَهَبٍ، وَطَيْلَسَانُ بِطِرَازٍ مُذَهَّبَةٍ، وَعَقْدُ جَوْهَرٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَسَيْفٌ مُحَلَّى بِخَمْسَةِ آلَافِ دينار، وحجزة بِثَمَانِيَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَعَلَيْهَا طَوْقُ ذَهَبٍ وَسَرْفَسَارُ ذَهَبٍ مُجَوْهَرٌ، وَفِي رَأْسِهَا مِائَتَا حَبَّةِ جَوْهَرٍ، وَفِي قَوَائِمِهَا أَرْبَعَةُ عُقُودِ جَوْهَرٍ، وَفِي رَأْسِهَا قصبة ذهب فيها تندة بَيْضَاءُ بِأَعْلَامٍ بِيضٍ وَمَعَ الْخِلْعَةِ عِدَّةُ بُقَجٍ، وَخَيْلٌ وَأَشْيَاءُ أُخَرُ، وَمَنْشُورُ الْوِزَارَةِ مَلْفُوفٌ بِثَوْبٍ أَطْلَسَ أَبْيَضَ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا، وَسَارَ الْجَيْشُ بِكَمَالِهِ فِي خِدْمَتِهِ، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ سِوَى عَيْنِ الدَّوْلَةِ الياروقي، وقال: لَا أَخْدِمُ يُوسُفَ بَعْدَ نُورِ الدِّينِ، ثُمَّ سَارَ بِجَيْشِهِ إِلَى الشَّامِ فَلَامَهُ نُورُ الدِّينِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَقَامَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ بِمِصْرَ بِصِفَةِ نَائِبٍ لِلْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ، يَخْطُبُ لَهُ على المنابر بالديار المصرية، ويكاتبه بِالْأَمِيرِ الْأَسْفَهْسِلَارِ (١) صَلَاحِ الدِّينِ وَيَتَوَاضَعُ لَهُ صَلَاحُ الدِّينِ فِي الْكُتُبِ وَالْعَلَامَةِ (٢) ، لَكِنْ قَدِ الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ، وَخَضَعَتْ لَهُ النُّفُوسُ، وَاضْطُهِدَ الْعَاضِدُ فِي أَيَّامِهِ غَايَةَ الِاضْطِهَادِ، وَارْتَفَعَ قَدْرُ صَلَاحِ الدِّينِ بَيْنَ الْعِبَادِ بِتِلْكَ الْبِلَادِ، وَزَادَ فِي إِقْطَاعَاتِ الَّذِينَ مَعَهُ فَأَحَبُّوهُ وَاحْتَرَمُوهُ وَخَدَمُوهُ، وَكَتَبَ إليه نور الدين


(١) من الكامل ١١ / ٣٤٤ والروضتين ١ / ٢ / ٤٠٨، وفي الاصل الاسفهلار وهو تحريف، والاسفهسلار اصطلاح عسكري مركب من كلمتين: اسفه: مقدم وهي فارسية: وسلار: عسكر وهي تركية.
فمعناه مقدم العسكر.
وقد استعمل هذا الاصطلاح منذ العهد الفاطمي، وتغير معناه تغيرا طفيفا بمرور الزمن وبصفة خاصة خلال العصر المملوكي، لكنه لم يخرج عن دائرة النظام العسكري (انظر صبح الاعشى ج ٣ وج ٦) .
(٢) العلامة: اصطلاح يختاره الخليفة أو السلطان ليوقع به على المنشورات والاوامر الرسمية، وهي عبارة عن آية قرآنية أو حديث أو قول مأثور أو اقتباس شعري، وقد تكون توقيعا بالاسم (انظر المقريزي الخطط ج ٣ وكتاب السلوك ١ / ٣٤٤ حاشية رقم ١) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>