للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه وقصدا إليه إلى سَامَرَّا، وَتَرَكَا مَا كَانَا فِيهِ.

فَلَمَّا بَلَغَ المهتدي ذلك اسْتَخْدَمَ مِنْ فَوْرِهِ جُنْدًا مِنَ الْمَغَارِبَةِ وَالْفَرَاغِنَةِ والأشروسية والارز كشبية وَالْأَتْرَاكِ أَيْضًا، وَرَكِبَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ رَجَعَ مُوسَى بْنُ بُغَا إِلَى طَرِيقِ خُرَاسَانَ وَأَظْهَرَ بَايَكْبَاكُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ (١) ، فَدَخَلَ فِي ثَانِيَ عَشَرَ رَجَبٍ إِلَى الْخَلِيفَةِ سَامِعًا مُطِيعًا، فَلَمَّا أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَحَوْلَهُ الْأُمَرَاءُ والسادة من بني هاشم شاورهم في قتله فَقَالَ لَهُ صَالِحُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ فِي الشَّجَاعَةِ مَا بَلَغْتَ، وَقَدْ كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ شَرًّا مِنْ هَذَا وَأَكْثَرَ جُنْدًا، وَلَمَّا قَتَلَهُ المنصور سكنت الفنتة وخمد صوت أصحابه.

فأمر عند ذلك بِضَرْبِ عُنُقِ بَايَكْبَاكَ ثُمَّ أَلْقَى رَأْسَهُ إِلَى الْأَتْرَاكِ، فلمَّا رَأَوْا ذَلِكَ أَعْظَمُوهُ وَأَصْبَحُوا مِنَ الغد مجتمعين على أخي بايكباك ظغوتيا فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الْخَلِيفَةُ فِيمَنْ مَعَهُ فَلَمَّا الْتَقَوْا خامرت الأتراك الذين مَعَ الْخَلِيفَةِ إِلَى أَصْحَابِهِمْ وَصَارُوا أَلْبًا وَاحِدًا على الخليفة، فحمل الخليفة فقتل منهم نحو من أربعة آلاف ثم حملوا عليه فهزموه ومن معه فانهزم الخليفة وَبِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا وَهُوَ يُنَادِي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصُرُوا خَلِيفَتَكُمْ.

فَدَخَلَ دَارَ أَحْمَدَ بْنِ جَمِيلٍ (٢) صَاحِبِ الْمَعُونَةِ، فَوَضَعَ فِيهَا سِلَاحَهُ وَلَبِسَ الْبَيَاضَ وَأَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ فَيَخْتَفِيَ، فَعَاجَلَهُ أَحْمَدُ بن خاقان منها فأخذه قبل أن يذهب، ورماه بسهم وطعن في خاصرته به وَحُمِلَ عَلَى دَابَّةٍ وَخِلْفَهُ سَائِسُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وسراويل حتى أدخلوه دَارِ أَحْمَدَ بْنِ خَاقَانَ، فَجَعَلَ مَنْ هُنَاكَ يصفعونه ويبزقون في وجهه، وأخذ خَطَّهُ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَسَلَّمُوهُ إِلَى رَجُلٍ فلم يزل يجأ خصيتيه ويطأهما حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لثنتي عَشْرَةَ

لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ رَجَبٍ (٣) .

وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ أقل من سنة بخمسة أيام (٤) ، وكان مولده فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ ومائتين، وكان أسمرا رقيقاً أحنى حسن اللحية يكنى أبا عبد الله.

وَصَلَّى عَلَيْهِ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَدُفِنَ بمقبرة المنتصر بن المتوكل.

قَالَ الْخَطِيبُ: وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ الْخُلَفَاءِ مَذْهَبًا وأجودهم طريقة وأكثرهم ورعاً وعبادة وزهادة.

قال: وروى حديثاً واحداً قال: حدَّثني علي بن هشام بن طراح، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْفَقِيهِ، عَنِ ابْنِ أبي ليلى - وهو دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ - عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ العبَّاس: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: " لِي النُّبُوَّةُ وَلَكُمُ الْخِلَافَةُ، بِكُمْ يُفْتَحُ هَذَا الْأَمْرُ وَبِكُمْ يُخْتَمُ " وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: " مَنْ أَحَبَّكَ نَالَتْهُ شَفَاعَتِي، وَمَنْ أَبْغَضَكَ لَا نَالَتْهُ شَفَاعَتِي ".

وَرَوَى الخطيب أن رجلاً استعان الْمُهْتَدِي عَلَى خَصْمِهِ فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ فَأَنْشَأَ الرجل يقول:


(١) كذا بالاصل والطبري وابن الاثير، وفي مروج الذهب: جرت بين المهتدي وبابكيال حرب عظيمة واستظهر فيها المهتدي عليه.
(٢) في الطبري: دخل دار أبي صَالِحٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَزْدَادَ وفيها أحمد بن جميل.
(وهو صاحب الشرطة كما في ابن الأثير) .
(٣) في ابن الاثير: مات يوم الأربعاء، وفي مروج الذهب: يوم الثلاثاء لأربع عشرة بقيت من رجب.
(٤) في مروج الذهب: أحد عَشَرَ شَهْراً، وفي ابن الاثير: أحد عشر شهر وخمس عشرة ليلة (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>