للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَادِهِ، وَاسْتَدْعَى بِأُمِّ الْمُقْتَدِرِ (١) وَهِيَ مَرِيضَةٌ بِالِاسْتِسْقَاءِ، وَقَدْ تَزَايَدَ بِهَا الْوَجَعُ مِنْ شِدَّةِ جَزَعِهَا عَلَى وَلَدِهَا حِينَ بَلَغَهَا قَتْلُهُ، وَكَيْفَ بَقِيَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ.

فَبَقِيَتْ أَيَّامًا لَا تَأْكُلُ شَيْئًا، ثُمَّ وَعَظَهَا النِّسَاءُ حَتَّى أَكَلَتْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنَ الْخُبْزِ وَالْمِلْحِ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ اسْتَدْعَى بِهَا الْقَاهِرُ فَقَرَّرَهَا عَلَى أَمْوَالِهَا فَذَكَرَتْ لَهُ مَا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْمَصَاغِ وَالثِّيَابِ، ولم تقر بشئ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْجَوَاهِرِ، وَقَالَتْ لَهُ: لَوْ كَانَ عندي من هذا شئ ما سلمت ولدي [للقتل] (٢) .

فَأَمَرَ بِضَرْبِهَا وَعُلِّقَتْ بِرِجْلَيْهَا وَمَسَّهَا بِعَذَابٍ شَدِيدٍ من العقوبة، فأشهدت عَلَى نَفْسِهَا بِبَيْعِ أَمْلَاكِهَا، فَأَخَذَهُ الْجُنْدُ مِمَّا يحاسبون به أَرْزَاقِهِمْ.

وَأَرَادَهَا عَلَى بَيْعِ أَوْقَافِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنْ ذلك وأبت أشد الإباء.

ثم استدعى الْقَاهِرُ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَوْلَادِ

الْمُقْتَدِرِ مِنْهُمْ أَبُو العبَّاس وَهَارُونُ وَالْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَإِبْرَاهِيمُ، فَأَمَرَ بِمُصَادَرَتِهِمْ وحبسهم، وسلمهم إلى حاجبه علي بن بليق، وتمكن الوزير عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ فَعَزَلَ وَوَلَّى، وَأَخَذَ وَأَعْطَى أياماً، ومنع البريدي من عمالتهم.

وفيها توفي من الأعيان: أحمد بن عمير بن جوصا أَبُو الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ أَحَدُ الْمُحَدِّثِينَ الْحُفَّاظِ، وَالرُّوَاةِ الأيقاظ.

وإبراهيم بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَطْحَاءَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ أَبُو إِسْحَاقَ التَّمِيمِيُّ الْمُحْتَسِبُ بِبَغْدَادَ، رَوَى عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ ثِقَةً فَاضِلًا.

مَرَّ يَوْمًا عَلَى بَابِ الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَالْخُصُومُ عُكُوفٌ عَلَى بَابِهِ وَالشَّمْسُ قَدِ ارْتَفَعَتْ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ حَاجِبَهُ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ: إما أن تخرج فتفصل بين الخصوم، وَإِمَّا أَنْ تَبْعَثَ فَتَعْتَذِرَ إِلَيْهِمْ إِنْ كَانَ لَكَ عُذْرٌ حَتَّى يَعُودُوا إِلَيْكَ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ.

أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، أحد أئمة المذهب، واسمه الحسين بن صالح بن خيران الفقيه الكبير الورع.

عُرِضَ عَلَيْهِ مَنْصِبُ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَخَتَمَ عليه الوزير علي بن عيسى على بابه ستة عشر يوماً، حتى لم يَجِدْ أَهْلُهُ مَاءً إِلَّا مِنْ بُيُوتِ الْجِيرَانِ، وهو مع ذلك يمتنع عليهم، وَلَمْ يَلِ لَهُمْ شَيْئًا.

فَقَالَ الْوَزِيرُ: إِنَّمَا أَرَدْنَا أَنْ نُعَلِّمَ النَّاسَ أَنَّ بِبَلَدِنَا وَفِي مملكتنا من عرض عليه قضاء قضاة الدنيا في المشارق والمغارب فَلَمْ يَقْبَلْ.

وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي الحجة منها، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرْجَمَتَهُ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ بِمَا فيه كفاية.


(١) المقتدر والقاهر ليسا من أم واحدة.
فالمقتدر أمه أم ولد وأسمها شغب.
وأم القاهر أم ولد أسمها قتول وقيل فتنة (مآثر الانافة ١ / ٢٨١) .
(٢) من ابن الاثير ٨ / ٢٤٥ (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>