سَنَةً.
وَأَحْضَرَ الْمُتَّقِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَايَعَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الْبُرْدَةَ وَالْقَضِيبَ، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا الْفَرَجِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ السَّامَرِّيَّ (١) ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ مِنَ الأمر شئ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَوَلَّى الْأُمُورَ ابْنُ شِيرَزَادَ، وَحَبَسَ المتقي بالسجن.
وَطَلَبَ الْمُسْتَكْفِي أَبَا الْقَاسِمِ الْفَضْلَ بْنَ الْمُقْتَدِرِ، وَهُوَ الَّذِي وَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلُقِّبَ
الْمُطِيعَ لِلَّهِ، فَاخْتَفَى مِنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مُدَّةَ خِلَافَةِ الْمُسْتَكْفِي، فَأَمَرَ الْمُسْتَكْفِي بِهَدْمِ دَارِهِ الَّتِي عند دجلة.
وفيها مات القائم الفاطمي وتولى ولده المنصور إسماعيل فكتب موت أبيه مدة حتى اتفق أمره ثم أظهره، والصحيح أن القائم مات في التي بعدها.
وقد حاربهم أبو يزيد الخارجي فيها، وَأَخَذَ مِنْهُمْ مُدُنًا كِبَارًا وَكَسَرُوهُ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً، ثم يبرز إليهم ويجمع الرجال ويقاتلهم، فانتدب المنصور هذا لقتاله بنفسه وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَقَدْ بَسَطَهَا ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كَامِلِهِ.
وَقَدِ انْهَزَمَ فِي بعض الأحيان جيش المنصور وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا فِي عِشْرِينَ نَفْسًا.
فَقَاتَلَ بنفسه قتالاً عظيما، فهزمه أبا يزيد بعد ما كاد يقتله، وثبت المنصور ثبتا عَظِيمًا، فَعَظُمَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ وَزَادَتْ حُرْمَتُهُ وهيبته، واسنتقذ بلاد القيروان منه، وما زال يحاربه حتى ظفر به المنصور وقتله.
ولما جئ برأسه سجدا شكراً لله.
وَكَانَ أَبُو يَزِيدَ هَذَا قَبِيحَ الشَّكْلِ أَعْرَجَ قصيراً خارجياً شديداً يكفر أهل الملة.
وفي ذي الحجة منها قُتِلَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَرِيدِيُّ وَصُلِبَ ثُمَّ أُحْرِقَ، وذلك أنه قَدِمَ بَغْدَادَ يَسْتَنْجِدُ بَتُوزُونَ وَأَبِي جَعْفَرِ بْنِ شيرزاد على ابن أخيه، فوعده النَّصْرَ، ثُمَّ شَرَعَ يُفْسِدُ مَا بَيْنَ تُوزُونَ وَابْنِ شِيرَزَادَ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ ابْنُ شِيرَزَادَ فَأَمَرَ بسجنه وضربه، ثم أفتاه بعض الفقهاء بإباحة دمه، فأمر بقتله وصلبه ثم أحرقه، وانقضت أيام البريدية، وزالت دولتهم.
وفيها أمر المستكفي بإخراج القاهر الذي كان خليفة وأنزله دار ابْنِ طَاهِرٍ، وَقَدِ افْتَقَرَ الْقَاهِرُ حَتَّى لَمْ يبق له شئ من اللباس سوى قطعه عباءة يَلْتَفُّ بِهَا، وَفِي رِجْلِهِ قَبْقَابٌ مِنْ خَشَبٍ.
وفيها اشتد البرد والحر.
وفيها رَكِبَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ فِي رَجَبٍ مِنْهَا إِلَى واسط فَبَلَغَ خَبَرُهُ إِلَى تُوزُونَ فَرَكِبَ هُوَ وَالْمُسْتَكْفِي، فلما سمع بهما رجع إِلَى بِلَادِهِ وَتَسَلَّمَهَا الْخَلِيفَةُ وَضَمِنَهَا أَبُو الْقَاسِمِ بن أبي عبد الله، ثم رجع توزون والخليفة إلى بغداد في شوال منها.
وَفِيهَا رَكِبَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْهَيْجَاءِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ إِلَى حَلَبَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ يَأْنَسَ الْمُؤْنِسِيِّ، ثُمَّ سَارَ إِلَى حِمْصَ لِيَأْخُذَهَا فَجَاءَتْهُ جُيُوشُ الْإِخْشِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ ظغج مع مولاه كافور فاقتتلوا بقنسرين، فلم يظفر أحد منهما بصاحبه، وَرَجَعَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ إِلَى الْجَزِيرَةِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى حَلَبَ فَاسْتَقَرَّ مُلْكُهُ بِهَا، فَقَصَدَتْهُ الرُّومُ فِي جَحَافِلَ عَظِيمَةٍ، فَالْتَقَى مَعَهُمْ فَظَفِرَ بِهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أربع وثلاثين وثلثمائة
في المحرم زَادَ الْخَلِيفَةُ فِي لَقَبِهِ إِمَامَ الْحَقِّ، وَكَتَبَ ذلك على السكة المتعامل بها، ودعا له الْخُطَبَاءُ عَلَى الْمَنَابِرِ أَيَّامَ الْجُمَعِ.
وَفِي الْمُحَرَّمِ منها مَاتَ تُوزُونُ التُّرْكِيُّ فِي دَارِهِ بِبَغْدَادَ، وَكَانَتْ إمارته سنتين
(١) في الكامل ٨ / ٤٤٧: السرمرائي (*) .