وسرورك أحب إلى من رضائي وسروري، ومما ألتمس به رضوان الله عزوجل لصلتي ما بيني وبينك، وَإِنْ كُنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمًا مِنَ الدَّهر تريد صلتي وَكَرَامَتِي وَإِعْظَامَ حَقِّي فَتَجَاوَزْ لِي عَنْ يَزِيدَ، وَكُلُّ مَا طَلَبْتَهُ بِهِ فَهُوَ عَلَيَّ.
فَلَمَّا قَرَأَ الْوَلِيدُ كِتَابَهُ قَالَ: لَقَدْ أَشْفَقْنَا عَلَى سُلَيْمَانَ، ثُمَّ دَعَا ابْنَ أَخِيهِ فَأَدْنَاهُ مِنْهُ، وَتَكَلَّمَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ بَلَاءَكُمْ عِنْدَنَا أَحْسَنُ الْبَلَاءِ، فمن ينس ذلك فلسنا ننساه، ومن يكفره بِكَافِرِيهِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ بَلَائِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي طَاعَتِكُمْ وَالطَّعْنِ فِي أَعْيُنِ أَعْدَائِكُمْ فِي الْمَوَاطِنِ الْعِظَامِ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، مَا إِنَّ المنة فيه علينا عَظِيمَةٌ.
فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَجَلَسَ فَأَمَّنَهُ وَكَفَّ عنه ورده إلى سليمان، فكان عنده حسن الهيئة، ويصف له ألوان الأطعمة الشهية، وَكَانَ حَظِيًّا عِنْدَهُ لَا يُهْدَى إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ إلا أرسل له بِنِصْفِهَا، وَتَقَرَّبَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ إِلَى سُلَيْمَانَ بِأَنْوَاعِ الْهَدَايَا وَالتُّحَفِ وَالتَّقَادُمِ، وَكَتَبَ الْوَلِيدُ إِلَى الْحَجَّاجِ إِنِّي لَمْ أَصِلْ إِلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَعَ أَخِي سُلَيْمَانَ، فَاكْفُفْ عَنْهُمْ وَالْهَ عَنِ الْكِتَابِ إِلَيَّ فِيهِمْ.
فَكَفَّ الْحَجَّاجُ عَنْ آلِ الْمُهَلَّبِ وَتَرَكَ مَا كَانَ يُطَالِبُهُمْ بِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، حَتَّى تَرَكَ لِأَبِي عُيَيْنَةَ بْنِ الْمُهَلَّبِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَزَلْ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ حَتَّى هَلَكَ الْحَجَّاجُ فِي سَنَةِ خمس وتسعين، ثُمَّ وَلِيَ يَزِيدُ بِلَادَ الْعِرَاقِ بَعْدَ الْحَجَّاجِ كما أخبره الراهب.
وفيها توفي من الأعيان: يتاذوق الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ، لَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي فَنِّهِ وَكَانَ حَظِيًّا عِنْدَ الْحَجَّاجِ، مَاتَ فِي حُدُودِ سَنَةِ تِسْعِينَ بِوَاسِطٍ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) وَأَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَسِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ أَحَدُ الشُّجْعَانِ الْمَذْكُورِينَ، أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَتَوَلَّى غَزْوَ الْهِنْدِ، وَطَالَ عُمْرُهُ.
وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ أَخُو الْحَجَّاجِ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْيَمَنِ، وَكَانَ يَلْعَنُ عَلِيًّا عَلَى الْمَنَابِرِ، قِيلَ إنه أمر حجر المنذري أَنْ يَلْعَنَ عَلِيًّا فَقَالَ: بَلْ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَلْعَنُ عَلِيًّا، وَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ.
وَقِيلَ إِنَّهُ وَرَّى فِي لَعْنِهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَبُو هَاشِمٍ الْأُمَوِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، وَكَانَتْ دَارُهُ بِدِمَشْقَ تَلِي دَارَ الْحِجَارَةِ، وَكَانَ عَالِمًا شَاعِرًا، وَيُنْسَبُ إليه شئ مِنْ عِلْمِ الْكِيمْيَاءِ، وَكَانَ يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ عُلُومِ الطَّبِيعَةِ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَعَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ خَالِدُ يَصُومُ الْأَعْيَادَ كُلَّهَا الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ -
يَعْنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ عِيدُ الْمُسْلِمِينَ، وَيَوْمَ السَّبْتِ وَهُوَ عِيدُ الْيَهُودِ، وَالْأَحَدُ لِلنَّصَارَى - وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ خِيَارِ الْقَوْمِ، وَقَدْ ذُكِرَ لِلْخِلَافَةِ بَعْدَ أَخِيهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ، وَكَانَ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِ مَرْوَانَ فَلَمْ يَلْتَئِمْ لَهُ الْأَمْرُ، وَكَانَ مروان زوج أمه، ومن كلامه: