للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ

فِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ وَسُلَيْمَانُ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِلَادَ الرُّومِ، وَفِيهَا قَصَدَ شَخْصٌ يُقَالُ لَهُ: عَمَّارُ بْنُ يَزِيدَ، ثمَّ سمي بخداش، إلى بلاد خراسان ودعا النَّاسَ إِلَى خِلَافَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَاسْتَجَابَ لَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا الْتَفُّوا عَلَيْهِ دَعَاهُمْ إِلَى مَذْهَبِ الْخُرَّمِيَّةِ (١) الزَّنَادِقَةِ، وَأَبَاحَ لَهُمْ نِسَاءَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَزَعَمَ لَهُمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ فَأَظْهَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الدولة فأخذ فجئ بِهِ إِلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ أَمِيرِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ وَسُلَّ لِسَانُهُ ثُمَّ صُلِبَ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَفِيهَا حجَّ بِالنَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أمير المدينة، وَقِيلَ إِنَّ إِمْرَةَ الْمَدِينَةِ كَانَتْ مَعَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كان قد عزل وولي مكانه محمد بن هشام بن إسماعيل، وكان أمير العراق الْقَسْرِيُّ.

وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ:

عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله بن عباس (٢) ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ أَبُو الْحَسَنِ، وَيُقَالُ أبو محمد، وأمه زرعة بنت مسرح بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ الْكَنَدِيِّ، أَحَدِ الْمُلُوكِ الْأَرْبَعَةِ الأقيال المذكورين في الحديث الذي رواه أحمد، وهم مسرح، وحمل، ومخولس، وَأَبْضَعَةُ: وَأُخْتُهُمُ الْعَمَرَّدَةُ وَكَانَ مَوْلِدُ عَلِيٍّ هَذَا يَوْمَ قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَسَمَّاهُ أَبُوهُ بِاسْمِهِ، وكنَّاه بِكُنْيَتِهِ، وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ عَلِيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ وَكَنَّاهُ وَلَقَّبَهُ بِأَبِي الْأَمْلَاكِ، فَلَمَّا وَفَدَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ وَسَأَلَهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ: أَلَكَ وَلَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ سَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَجْزَلَ عَطِيَّتَهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ.

وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ هَذَا فِي غَايَةِ الْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَحُسْنِ الشَّكْلِ وَالْعَدَالَةِ وَالثِّقَةِ كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ: كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاس، وكانت وفاته بالجهمة (٣) مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ لُبَابَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فطلقها،

وَكَانَ سَبَبُ طَلَاقِهِ إِيَّاهَا أَنَّهُ عَضَّ تُفَّاحَةً ثُمَّ رَمَى بِهَا إِلَيْهَا فَأَخَذَتِ السِّكِّينَ فَحَزَّتْ مِنَ التُّفَّاحَةِ مَا مَسَّ فَمَهُ مِنْهَا، فَقَالَ: وَلِمَ تَفْعَلِينَ هَذَا؟ فَقَالَتْ: أُزِيلُ الْأَذَى عَنْهَا - وذلك لأن عبد الملك كان أبخر -


(١) الخرمية: قال الاسفرائيني: هؤلاء صنفان صنف منهم كان قبل دولة الاسلام كالمزدكية الذين استباحوا المحرمات وزعموا ان الناس شركاء في الاموال والنساء، ودامت فتنة هؤلاء إلى أن قتلهم أنوشروان في زمانه.
والصنف الثاني: الخر مدينية ظهروا في دولة الاسلام (ص ٢٠١) .
(٢) ترجمته في وفيات الاعيان ٤ / ٢٧٤ طبقات ابن سعد ٥ / ٣١٢ صفة الصفوة ٣ / ٥٩ العبر للذهبي ١ / ١٤٨ شذرات الذهب ١ / ١٤٨، وتاريخ الطبري ٨ / ٢٣٠ ابن الأثير ٥ / ١٩٨.
(٣) في ابن الأثير ٥ / ١٩٨: من أرض الشام (وانظر الطبري ٨ / ٢٣٠) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>